عدد الصحابة الذين حفظوا القرآن الكريم كاملاً
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد
من المسائل التي تُطرح كم عدد الصحابة الذين حفظوا القرآن كاملاً عن ظهر قلب، ولا يدخل معهم من حفظ بعضاً أو أغلبه.
وقد اختلف العلماء في ذلك بين عدة أقوال، وهي:
القول الأول: أنهم أربعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: أنهم خمسة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القول الثالث: أنهم ستة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القول الرابع: أمهم جمع غير معدود من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سبب اختلاف الأقوال هو ورود بعض الأحاديث التي تشير إلى العدد المختلف.
قال في المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز:
ذكر القاضي وغيره له تأويلات سائغة:
- منها أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف والقراءات التي نزل بها، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كلها شاف كاف، إلا أولئك النفر فقط.
- ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته، إلا تلك الجماعة.
- ومنها أنه لم يجمع جميع القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذه من فيه تلقيا، غير تلك الجماعة، فإن أكثرهم أخذوا بعضه عنه، وبعضه عن غيره.
- ومنها أنه لم يجمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ظهر به وأبدى ذلك من أمره وانتصب لتلقينه، غير تلك الجماعة مع جواز أن يكون فيهم حفاظ لا يعرفهم الراوي إذا لم يظهر ذلك منهم.
- ومنها أنه لم يجمعه عنده شيئا بعد شيء كلما نزل حتى تكامل نزوله، إلا هؤلاء، أي أنهم كتبوه وغيرهم حفظه وما كتبه، أو كتب بعضا.
- ومنها أنه لم يذكر أحد عن نفسه أنه أكمله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، سوى هؤلاء الأربعة؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام النبي صلى الله عليه وسلم حيا، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله، واستجازه هؤلاء، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه.
- ويحتمل أيضا أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوفا من المراءة به، واحتياطا على النيات كما يفعل الصالحون في كثير من العبادة، وأظهر هؤلاء الأربعة ذلك؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم، أو لرأي اقتضى ذلك عندهم.
قال المازري: وكيف يعرف النقلة أنه لم يكمله سوى أربعة، وكيف تتصور الإحاطة بهذا، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقون في البلاد؟ وهذا لا يتصور، حتى يلقى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه أنه لم يكمل القرآن. وهذا بعيد تصوره في العادة.
وسننقل هنا بعضاً من النقولات في المسألة.
أقوال العلماء في العدد بين أربع أو خمس أو ست أو جمع غير معدود من الصحابة:
قال في فضائل القرآن للنسائي:
ذكر الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله:
أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال ثنا عبد الله بن إدريس قال ثنا شعبة وأخبرنا محمد بن بشار قال ثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس قال جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة كلهم قال محمد من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد وأبو زيد قلت من أبو زيد قال أحد عمومتي.
وقال:
أخبرنا بشر بن خالد قال أنا غندر عن شعبة عن سليمان قال سمعت أبا وائل عن مسروق عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب - صلى الله عليه وسلم -.
وقال:
أخبرنا الهيثم بن أيوب قال ثنا إبراهيم بن سعد قال ثنا ابن شهاب عن عبيد الله بن السباق عن زيد بن ثابت قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فأتيته وعنده عمر فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن. .وساق الحديث بطوله معاد.
وقال في الانتصار للقرآن للباقلاني:
والأخبار قد تظاهرت من الجهات المختلفة بأن الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا أربعة نفر فقط أو خمسة، وهذه الأخبار هي من طرقكم ورواياتكم، وعن الرجال الذين توثقون نقلهم وتسكنون إلى أخبارهم، فروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: "جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، ومجمع بن جارية، وسالم مولى أبي حذيفة، وكان ابن مسعود قرأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة"، في أمثال لهذا الخبر كلها وردت بأن قدر عدد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذكرناه، وهذا نقيض ما ادعيتموه.
يقال لهم: جميع ما قدمناه من أحوال الصحابة وشدة تدينهم وتمسكهم بالدين والقرآن وتحفظه وتلقنه، والإقبال عليه، وحث الرسول عليه السلام لهم على حفظه ودراسته، وإنفاذ الدعاة به، إلى غير ذلك مما وصفناه ..... .
وقال في فضائل القرآن للقاسم بن سلام:
حدثنا الأنصاري، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب.
وقال في فضائل القرآن للنسائي:
أخبرنا الهيثم بن أيوب قال ثنا إبراهيم بن سعد قال ثنا ابن شهاب عن عبيد الله بن السباق عن زيد بن ثابت قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فأتيته وعنده عمر فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن.
وقال في الناسخ والمنسوخ للنحاس:
كما حدثنا أبو علي محمد بن جعفر بن محمد الأنباري، قال: حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: «جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل» قال قتادة: قلت لأنس من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي قال أبو جعفر: وهؤلاء الأربعة من الأنصار هم الذين كانوا يقرءون وأبو زيد سعد بن عبيد من بني عمرو بن عوف من الأنصار وقال الشعبي، وأبو الدرداء: «حفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجمع بن جارية بقيت عليه سورتان أو ثلاث قال ولم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان، وسالم مولى أبي حذيفة بقي عليه منه شيء» فإن قيل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنه قيل ليس في هذا دليل على حفظه إياه كله ولكن فيه دليل على أمانته ومما يدلك على أن القرآن كان مؤلفا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال في الإبانة عن معاني القراءات:
قال: فإن سأل سائل، فقال:
هل جمع حفظ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، أحد من الصحابة، فتقوى بذلك الأنفس فيما يقرءونه اليوم؟
فالجواب:
أنه قد اختلف الناس فيمن جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم".
فقال جماعة: إن النبي "صلى الله عليه وسلم"، توفي ولم يجمع القرآن إلا أربعة: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت [سالم مولى أبي حذيفة]، وقيل: إن معهم عثمان، وتميم الداري، وقيل: عثمان، وأبو الدرداء1، وذكر ابن عيينة أن الشعبي3 قال:
لم يقرأ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، إلا ستة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وأبو الدرداء.
وسعد بن عبيد القاري، وأبو زيد، وزيد، وليس بزيد بن ثابت.
قال الشعبي: غلب زيد بن ثابت الناس بالقرآن والفرائض قال أنس: جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" أربعة من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد
قيل لأنس: من أبو زيد؟ قال: بعض عمومتي.
وقيل: إن أول من حفظ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، سعد بن عبيد، وجمعه من الخزرج: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأبو زيد.
وقال ابن عباس:
جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" أربعة: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، ومجمع بن جارية1، وسالم مولى أبي حذيفة.
قال في المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خذوا القرآن من أربعة؛ من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب".
وفيه عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد. وفي رواية: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه، وفي رواية: أحد عمومتي.
قال الحافظ البيهقي في "كتاب المدخل": الرواية الأولى أصح، ثم أسند عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري، رضي الله عنهم.
وعن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة نفر من الأنصار: أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد. ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثا، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غير عثمان رضي الله عنهم.
قلت: وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب رحمه الله في "كتاب الانتصار" الكلام في حملة القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام أدلة كثيرة على أنهم كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، وأن العادة تحيل خلاف ذلك، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة على ما سيأتي ذكره، وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وما في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة كانوا يسمون القراء. وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأه في شهر"، الحديث.
وعبد الله بن عمرو غير مذكور في هذه الآثار المتقدمة فيمن جمع القرآن، فدل على أنها ليست للحصر، وما كان من ألفاظها للحصر فله تأويل، وليس محمولا على ظاهره.................................
وإن لم يكمل القرآن سوى أربعة، فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون، وما من شرط كونه متواترا أن يحفظ الكل الكل، بل الشيء الكثير إذا روى كل جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواترا.
قلت: وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له، فذكر من المهاجرين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة وسعدا وابن مسعود وسالما مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعمرو بن العاص وأبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الله ابن السائب، قارئ مكة.
ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء وزيد بن ثابت ومجمع بن جارية وأنس بن مالك.
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة وأم سلمة.
قال: وبعض ما ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، وإنما خصصنا بالتسمية كل ما وصف بالقراءة، وحكي عنه منها شيء.
قال في فضائل القرآن لابن كثير:
ثم قال البخاري: حدَّثَنا حفص بن عمر، ثنا همام، ثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك، من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وقال: ونحن ورثناه...... .
حدثنا معلى بن أسد، ثنا عبد الله بن المثنى، ثنا ثابت وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبى -صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه.
فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا يشك فيه: أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضاً، ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار، ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار وهم: أُبَيّ بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها، وفى الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، وكلهم مشهورون، إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختُلِفَ في اسمه.
فقال الواقدي: وأسمه قيس بن السَّكَن بن قيس بن ذعورا بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.
قال في القواعد والإشارات في أصول القراءات:
اختلف فيمن جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقيل: أربعة، وقيل: ستة وقيل: خمسة؛ فعد المربعون أبيا، ومعاذا، وزيد بن ثابت، وأبا زيد وهو قول أنس. فقيل: من أبو زيد قال بعض عمومتي. وعد بعضهم مجمع بن جارية وسالما مولى أبي حذيفة وترك زيدا، وأبا زيد وعثمان، وتميما الداري، وعد بعضهم أبا الدرداء مكان تميم، وحكى ابن عيينة عن الشعبي أنه قال: لم يقرأ القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ستة كلهم من الأنصار: أُبي، ومعاذ، وأبو الدرداء، وسعد بن عبيد القاري وأبوزيد، وزيد. فقيل هو ابن ثابت، وقيل: لا. والأول أظهر.
وقال الشعبي: غلب زيد بن ثابت الناس بالقرآن، والفرائض.
وقيل: أول من حفظ القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار سعد بن عبيد، ومن الخزرج أبي ومعاذ، والخلاف في غيرهما والجمهور على عثمان وزيد وتميم.
فإن قيل: قال صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن من أربعة عبد الله بن مسعود، ومعاذ، وأُبي، وسالم مولى أبي حذيفة، وسكت عمن سواهم فالجواب من وجهين: أحدهما أن هؤلاء لم يكونوا مشهورين بما نسب إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر لينبه عليهم، وسكت عن غيرهم لشهرتهم، ويؤيده إجماع النقلة عن ابن مسعود أنه لم يكن جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مسعود: جمعت في عهده بضعا وسبعين سورة وتلقنت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة.
الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا القول، ولم يكن في القوم أقرأ منهم، ثم حدث بعدهم من هو أرفع منهم كزيد، ونحوه. وإن قيل: قوله صلى الله عليه وسلم (من أراد أن يسمع القرآن كما أنزل فليسمعه من في ابن أم عبد) يدل على اعتماد قراءته، والأخذ بحرفه مطلقا فلم تركت قراءته حتى منع منها مالك بن أنس وغيره.
فالجواب عنه ما حكاه مكي عن الحسين بن علي الجعفي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حض على متابعة ابن مسعود في الترتيل. ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى: (من أراد أن يسمع القرآن ... ) الحديث. قال الجعفي: يعني الترتيل لا حرفه المخالف للرسم.
قال في الإتقان في علوم القرآن:
أخرج ابن أشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال: مات أبو بكر ولم يجمع القرآن وقتل عمر ولم يجمع القرآن قال ابن أشتة: قال بعضهم: يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظا وقال بعضهم: هو جمع المصاحف.
قال ابن حجر: وقد ورد عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي داود.
وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال: "جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأه في شهر ... " الحديث.
وأخرج ابن أبي داود بسند حسن عن محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري.
وأخرج البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد واختلفوا في رجلين من ثلاثة: أبي الدرداء وعثمان. وقيل: عثمان وتميم الداري.
وأخرج هو وأبو داود عن الشعبي قال: جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ستة: أبي وزيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة.
وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعد من المهاجرين: الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة وعائشة وحفصة وأم سلمة ومن الأنصار: عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن جارية وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد. وصرح بأن بعضهم إنما أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس وعد ابن أبي داود منهم تميما الداري وعقبة بن عامر.
وممن جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ذكره أبو عمرو الداني.
تنبيه:
أبو زيد المذكور في حديث أنس اختلف في اسمه فقيل: سعد ابن عبيد بن النعمان أحد بني عمرو بن عون ورد بأنه أوسي وأنس خزرجي. وقد قال إنه أحد عمومته وبأن الشعبي عده هو وأبو زيد جميعا فيمن جمع القرآن كما تقدم فدل على أنه غيره.
وقال أبو أحمد العسكري لم يجمع القرآن من الأوس غير سعد بن عبيد وقال ابن حبيب في المحبر: سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن حجر: قد ذكر أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجي يكنى أبا زيد فلعله هو. وذكر أيضا سعد بن المنذر بن أوس ابن زهير وهو خزرجي لكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد.
قال: ثم وجدت عند ابن أبي داود ما رفع الإشكال فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس ابن السكن. قال: وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ونحن ورثناه.
قال ابن أبي داود: حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال: هو قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار. قال ابن أبي داود: مات قريبا من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب علمه ولم يؤخذ عنه وكان عقبيا بدريا. ومن الأقوال في اسمه: ثابت وأوس ومعاذ.
فائدة:
ظفرت بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن لم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك فأخرج ابن سعد في الطبقات: أنبأنا الفضل بن دكين قال: حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع قال: حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرا قالت له: أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال: إن الله مهد لك شهادة. وكان صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن فغمها غلام لها وجارية كانت دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: انطلقوا بنا نزور الشهيدة.
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً