الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد
نتكلم في هذا المبحث عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم.
والحديث على عدة محاور، وهي:
أهمية هذا العلم:
تكلم العلماء وقبلهم الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم، عن ضرورة معرفة الناسخ والمنسوخ لمن أراد أن يكون عالماً بالقرآن الكريم.
فلقد روى عن أبى عبد الرحمن السلمي قال: مر على بن أبى طالب برجل يقص فقال أعرفت الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت.
وقال في مصنف عبد الرزاق الصنعاني وابن ابي شيبه والطبراني مع اختلاف زيادة قول " بل أنت أبو اعرفوني " عند عبد الرزاق:
عن معمر قال: بلغني أن عليا، مر بقاص، فقال: «أتعرف الناسخ من المنسوخ؟» قال: لا قال: «هلكت وأهلكت» قال: ومر بآخر قال: «ما كنيتك؟» قال: أبو يحيى قال: «بل أنت أبو اعرفوني».
فيتضح لنا أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ، وأنه يعيب على من تكلم في العلم وهو جاهل في معرفتها.
قال في الناسخ والمنسوخ للمقري:
فأول ما ينبغي لم أراد أن يعلم شيئا من علم هذا الكتاب ألا يدأب نفسه إلا في علم الناسخ والمنسوخ، اتباعا لما جاء عن أئمة السلف رضي الله عنهم، لأن كل من تكلم في شيء من علم هذا الكتاب ولم يعلم الناسخ من المنسوخ كان ناقصاً، وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه دخل يوما مسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلا يعرف بعبد الرحمن بن داب، وكان صاحبا لأبي موسى الأشعري وقد تحلق الناس عليه يسألونه، وهو يخلط الأمر بالنهي والإباحة بالحظر، فقال له علي رضى الله عنه أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال لا، قال هلكت وأهلكت، فقال أبو من أنت؟ قال أبو يحيى، فقال أنت أبو اعرفوني، وأخذ بأذنه ففتلها وقال لا تقص في مسجدنا بعد.
ويروى في معنى هذا الحديث عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، أنهما قالا لرجل آخر مثل قول أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه أو قريبا منه.
وقال حذيفة بن اليمان لا يقص على الناس إلا أحد ثلاثة، أمير، أو مأمور، أو رجل يعرف الناسخ والمنسوخ، والرابع متكلف أحمق، وهذا هو الصحيح لأنه يخلط الأمر بالنهي، والإباحة بالحظر.
قال في الناسخ والمنسوخ لقتادة:
فضل هذا العلم: اعتنى السلف الصالح بهذا العلم وقالوا: لا يجوز لاحد أن يفسر كتاب الله تعالى، الا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ.
وقالوا أيضا: ان كل من يتكلم في شئ من علم هذا الكتاب العزيز ولم يعلم الناسخ والمنسوخ كان ناقصا.
وروى عن على بن ابى طالب رضي الله عنه أنه دخل يوما مسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلا يعرف بعبد الرحمن بن دأب، وكان صاحبا لأبى موسى الأشعري، وقد تحلق عليه الناس يسألونه، وهو يخلط الامر بالنهى والاباحة بالحظر، فقال له على رضي الله عنه: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال هلكت وأهلكت.
من هنا تتضح لنا مكانة هذا العلم، وحاجة العلماء إليه.
تعريف النسخ:
لغة:
قال في الناسخ والمنسوخ لقتادة:
أن يكون مأخوذا من قول العرب: نسخت الشمس الظل، اذا أزالته وحلت محله، وهذا المعنى هو الذى يدخل في موضوع ناسخ القرآن ومنسوخه.
النسخ في كلام العرب هو الرفع للشيء.
اصطلاحاً:
وجاء الشرع بما تعرف العرب إذ كان الناسخ يرفع حكم المنسوخ.
أقوال العلماء في وجود النسخ في القرآن الكريم:
القول الأول: وجود النسخ في القرآن الكريم، وعليه الإجماع، والدليل قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير [البقرة: 106]، وقوله تعالى: وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون [النحل: 101].
القول الثاني: عدم وجود النسخ في القرآن الكريم وهو قول من السابقيين المفسر أبو مسلم الأصفهاني رحمه الله، وأن لكل آية ترون أنها منسوخة هي في الأصل محكمة وتعمل في ظروف خاصة، إذ أن القرآن كما قال تعالى: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. [فصلت:42]، وهذا القول مردود لمخالفة النص والإجماع.
قال في نواسخ القرآن لابن الجوزي:
باب إثبات أن في القرآن منسوخا:
انعقد إجماع العلماء على هذا، إلا أنه قد شذّ من لا يلتفت إليه؛ فحكى أبو جعفر النحاس أن قوما قالوا: ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ وهؤلاء قوم لا يقرون، لأنهم خالفوا نص الكتاب وإجماع الأمة، قال الله عز وجل: ما ننسخ من آية أو ننسها [البقرة: 106].
وأخبرنا المبارك بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن قريش، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق، قال: بنا عبد الله بن داود، وقال: حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم، عن أبيه، عن نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: يمحوا الله ما يشاء ويثبت [الرعد: 39] قال: في الناسخ والمنسوخ.
قال ابن أبي داود: وحدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أبو صالح، قال:
حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: يمحوا الله ما يشاء ويثبت ويقول: يبدل الله ما يشاء من القرآن، فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله، وما يبدل وما يثبت وكل ذلك في كتاب.
قال ابن أبي داود: وحدثنا يونس بن حبيب، قال: حدثنا أبو داود، وقال: حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، في قوله: يمحوا الله ما يشاء ويثبت قال: ينسخ الآية بالآية فترفع، وعنده أم الكتاب، أصل الكتاب.
قال: وحدثنا علي بن حرب، ومصعب بن محمد ويعقوب بن سفيان، قالوا: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله عز وجل: يمحوا الله ما يشاء ويثبت قال: نزلت في الناسخ والمنسوخ.
قال: وحدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا كثير بن يحيى، قال: حدثنا أبي، قال: بنا يونس بن عبيد، وهشام بن حسان جميعا، عن محمد بن سيرين يمحوا الله ما يشاء يرفعه، ويثبت ما يشاء، فيدعه مقرا له.
- المحور الرابع: أنواع الأوامر الشرعية ونسخ حكمها:
أولاً: أوامر الوجوب، إما تنسخ إلى المنع والحظر، وإما نسخ إلى الاستحباب، الإباحة.
ثانياً: أوامر الاستحباب، إما تنسخ إلى الوجوب، أو التحريم، أو الإباحة.
ثالثاً: الإباحة، تنسخ إلى التحريم فقط.
رابعاً: أوامر الكراهة، تنسخ إلى الإباحة، وتنسخ إلى الكراهة.
تنبيه:
الأخبار لا يدخلها النسخ، لأن نسخها يكون تكذيباً.
قال في نواسخ القرآن لابن الجوزي:
واستدعاء الفعل يقع على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: ما يكون على سبيل الإلزام والانحتام، إما بكونه فرضا أو واجبا، ونسخ ذلك يقع على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يخرج من الوجوب إلى المنع، مثل ما كان التوجه إلى بيت المقدس واجبا ثم نسخ بالمنع منه.
والثاني: أن ينسخ من الوجوب إلى الاستحباب، مثل نسخ وجوب الوضوء لكل صلاة إلى أن جعل مستحبا.
والثالث: أن ينسخ من الوجوب إلى الإباحة، مثل نسخ وجوب الوضوء مما غيرت النار إلى الجواز، فصار الوضوء منه جائزا.
والضرب الثاني: استدعاء على سبيل الاستحباب، فهذا ينتقل إلى ثلاثة أوجه أيضا:
الأول: أن ينتقل من الاستحباب إلى الوجوب، وذلك مثل الصوم في رمضان كان مستحبا فإن تركه وافتدى جاز، ثم نسخ ذلك بانحتامه في حق الصحيح المقيم.
والثاني: أن ينسخ من الاستحباب إلى التحريم، مثل: نسخ اللطف بالمشركين وقول الحسنى لهم، فإنه نسخ بالأمر بقتالهم.
والثالث: أن ينسخ من الاستحباب إلى الاباحة، مثل: نسخ استحباب الوصية للوالدين بالإباحة.
والضرب الثالث: المباح؛ وقد اختلف العلماء هل هو مأمور به؟ والصحيح أنه مأذون فيه غير مأمور به، ويجوز أن يدخله النسخ عن وجه واحد وهو النسخ إلى التحريم، مثاله: أن الخمر مباحة ثم حرمت.
وأما نسخ الإباحة إلى الكراهة؛ فلا يوجد، لأنه لا تناقض. فأما انتقال المباح إلى كونه واجبا فليس بنسخ، لأن إيجاب المباح إبقاء تكليف لا نسخ.
وأما القسم الثاني من الخطاب: وهو النهي فهو يقع على ضربين:
الأول: على سبيل التحريم؛ فهذا قد ينسخ بالإباحة، مثل تحريم الأكل على الصائم في الليل بعد النوم والجماع.
والثاني: على سبيل الكراهة، لم يذكر له مثال.
فأما الأخبار فهي على ضربين:
الأول: ما كان لفظه لفظ الخبر، ومعناه معنى الأمر كقوله تعالى: لا يمسه إلا المطهرون [الواقعة: 79]، فهذا لاحق بخطاب التكليف في جواز النسخ عليه.
والثاني: الخبر الخالص، فلا يجوز عليه، لأنه يؤدي إلى الكذب وذلك محال. وقد حكي جواز ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدي، وليس بشيء يعول عليه. وقال أبو جعفر النحاس: وهذا القول عظيم جدا يؤول إلى الكفر لأن قائلا لو قال: قام فلان ثم قال: لم يقم، فقال: نسخته لكان كاذبا.
وقال ابن عقيل: الأخبار لا يدخلها النسخ، لأن نسخ الأخبار كذب، وحوشي القرآن من ذلك.
- المحور الخامس: الشروط المعتبرة في ثبوت النسخ:
الشرط الأول: تناقض الحكم في الناسخ والمنسوخ، بحيث لا يمكن العمل بهما جميعا، فإن أمكن العمل بهما جميعا لم يكن أحدهما ناسخا للآخر.
الشرط الثاني: أن يكون الحكم المنسوخ ثابتا قبل ثبوت حكم الناسخ ولا يكون العكس.
الشرط الثالث: أن يثبت الحكم الناسخ والمنسوخ بالنص الشرعي.
الشرط الرابع: أن يتساوى الطريق الذي ثبت به الناسخ مع الطريق الذي ثبت به المنسوخ أو أقوى منه، فأما إن كان أقل فلا يجوز أن يكون الأضعف ناسخاً للأقوى.
قال في نواسخ القرآن لابن الجوزي:
الشروط المعتبرة في ثبوت النسخ خمسة:
الشرط الأول: أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا، بحيث لا يمكن العمل بهما جميعا، فإن كان ممكنا لم يكن أحدهما ناسخا للآخر، وذلك قد يكون على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون أحد الحكمين متناولا لما تناوله الثاني بدليل العموم، والآخر متناولا لما تناوله الأول بدليل الخصوص، فالدليل الخاص لا يوجب نسخ دليل العموم، بل يبين أنه إنما تناوله التخصيص لم يدخل تحت دليل العموم.
والوجه الثاني: أن يكون كل واحد من الحكمين ثابتا في حال غير الحالة التي ثبت فيها الحكم الآخر، مثل تحريم المطلقة ثلاثا، فإنها محرمة على مطلقها في حال، وهي ما دامت خالية عن زوج وإصابة، فإذا أصابها زوج ثان ارتفعت الحالة الأولى، وانقضت بارتفاعها مدة التحريم، فشرعت في حالة أخرى حصل فيها حكم الإباحة
للزوج المطلق ثلاثا، فلا يكون هذا ناسخا، لاختلاف حالة التحريم والتحليل.
الشرط الثاني: أن يكون الحكم المنسوخ ثابتا قبل ثبوت حكم الناسخ
فذلك يقع بطريقين:
أحدهما: من جهة النطق كقوله تعالى: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا [الأنفال: 66] وقوله: فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن [البقرة: 187] ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها».
والثاني: أن يعلم بطريق التاريخ، وهو أن ينقل بالرواية بأن يكون الحكم الأول ثبوته متقدما على الآخر، فمتى ورد الحكمان مختلفين على وجه لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك الآخر، ولم يثبت تقديم أحدهما على صاحبه بأحد الطريقين؛ امتنع ادعاء النسخ في أحدهما.
الشرط الثالث: أن يكون الحكم المنسوخ مشروعا
؛ أعني أنه ثبت بخطاب الشرع، فأما إن كان ثابتا بالعادة والتعارف لم يكن رافعه ناسخا، بل يكون ابتداء شرع، وهذا شيء ذكر عند المفسرين، فإنهم قالوا: كان الطلاق في الجاهلية لا إلى غاية، فنسخه قوله: الطلاق مرتان [البقرة: 229] وهذا لا يصدر ممن يفقه، لأن الفقيه يفهم أن هذا ابتداء شرع لا نسخ.
الشرط الرابع: أن يكون ثبوت الحكم الناسخ مشروعا كثبوت المنسوخ
فأما ما ليس بمشروع بطريق النقل، فلا يجوز أن يكون ناسخا للمنقول، ولهذا إذا ثبت حكم منقول لم يجز نسخه بإجماع ولا بقياس.
والشرط الخامس:
أن يكون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل الطريق الذي ثبت به المنسوخ أو أقوى منه، فأما إن كان دونه فلا يجوز أن يكون الأضعف ناسخا للأقوى.
- المحور السادس: حكم نسخ القرآن الكريم:
يجوز نسخ القرآن الكريم بالقرآن الكريم، أما نسخ القرآن بالسنة فإن كانت السنة متواترة فعلى روايتين، والمشهور عن أحمد أنه لا يجوز وهي رواية عن أحمد والشافعي، والرواية الثانية يجوز وهي مذهب الحنفية والمالكية.
أما نسخ القرآن بالسنة المنقولة بخبر الآحاد فلا توجب العلم، بل تفيد الظن، فلا يجوز بها نسخ القرآن، لأن القرآن يوجب العلم.
قال في نواسخ القرآن لابن الجوزي:
باب ذكر ما اختلف فيه هل هو شرط في النسخ أم لا؟
اتفق العلماء على جواز نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة، فأما نسخ القرآن بالسنة، فالسنة تنقسم قسمين: القسم الأول: ما ثبت بنقل متواتر، كنقل القرآن، فهل يجوز أن ينسخ القرآن بمثل هذا؟ حكى فيه شيخنا علي بن عبيد الله روايتين عن أحمد، قال: والمشهور أنه لا يجوز، وهو مذهب الثوري والشافعي.
والرواية الثانية يجوز؛ وهو قول أبي حنيفة، ومالك قال: ووجه الأولى؛ قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [البقرة: 106] والسنة ليست مثلا للقرآن، وروى الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلامي لا ينسخ القرآن، ينسخ بعضه بعضا».
ومن جهة المعنى؛ فإن السنة تنقص عن درجة القرآن فلا تقدم عليه.
ووجه الرواية الثانية؛ قوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [النحل: 44] والنسخ في الحقيقة بيان مدة المنسوخ، فاقتضت هذه الآية قبول هذا البيان، قال: وقد نسخت الوصية للوالدين والأقربين [البقرة: 180] بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث». ونسخ قوله تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه [البقرة: 191] بأمره عليه الصلاة والسلام، أن يقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة.
ومن جهة المعنى؛ أن السنة مفسرة للقرآن، وكاشفة لما يغمض من معناه، فجاز أن ينسخ بها.
والقول الأول هو الصحيح، لأن هذه الأشياء تجري مجرى البيان للقرآن، لا النسخ، وقد روى أبو داود السجستاني قال: سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: السنة تفسر القرآن، ولا ينسخ القرآن إلا القرآن. وكذلك قال الشافعي: إنما ينسخ الكتاب الكتاب، والسنة ليست ناسخة له.
والقسم الثاني: الأخبار المنقولة بنقل الآحاد؛ فهذه لا يجوز بها نسخ القرآن، لأنها لا توجب العلم، بل تفيد الظن، والقرآن يوجب العلم، فلا يجوز ترك المقطوع به لأجل مظنون، وقد احتج من رأى جواز نسخ التواتر بخبر الواحد بقصة أهل قباء لما استداروا بقول واحد، فأجيب بأن قبلة بيت المقدس لم تثبت بالقرآن، فجاز أن تنسخ بخبر الواحد.
فائدة:
هل يوجد نسخ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟
لايوجد نسخ بعد وفاته، لأن لاينسخ النص إلا نص مثله، والنصوص تأتي لنا عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال في أحكام القرآن للجصاص:
يستحيل وجود النسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيترك حكمه من طريق النسخ.
- المحور السابع: أنواع المنسوخ في كتاب الله تعالى:
على ثلاثة أنواع:
الأول: ما نسخ خطه وحكمه.
مثال: روي عن أنس بن مالك أنه قال كنا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سورة نعدلها بسورة التوبة ما أحفظ منها غير آية واحدة وهي {لو أن لأبن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولو أن له ثالثا لابتغى إليه رابعا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب}.
وروى عن عبد الله بن مسعود قال أقرأني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آية أو قال سورة فحفظتها وكتبتها في مصحفي فلما كان الليل رجعت الي مضجعي فلم أرجع منها الى شيء فغدوت الى مصحفي فإذا الورقة بيضاء فأخبرت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة.
الثاني: ما نسخ خطه وبقي حكمه.
مثال: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لولا أن أخشى أن يقول الناس قد زاد عمر في القرآن ما ليس فيه لكتبت آية الرجم وأثبتها في المصحف ووالله لقد
قرأناها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا ترغبوا عن آبائكم فإن ذلك كفر بكم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم فهذا منسوخ الخط ثابت الحكم.
الثالث: ما نسخ حكمه وبقي خطه.
مثال فهو في ثلاث وستين سورة مثل الصلاة إلى بيت المقدس والصيام الأول والصفح عن المشركين والإعراض عن الجاهلين.
قال في الناسخ والمنسوخ للمقري:
اعلم أن النسخ في كلام العرب هو الرفع للشيء وجاء الشرع بما تعرف العرب إذ كان الناسخ يرفع حكم المنسوخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى على ثلاثة أضرب: فمنه ما نسخ خطه وحكمه ومنه ما نسخ خطه وبقي حكمه ومنه ما نسخ حكمه وبقي خطه فأما ما نسخ خطه وحكمه.
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا