الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم         أما بعد

 

نتكلم عن مسألة مهمة من مسائل علوم القرآن، وهي مهمة لمعرفة الأحكام الفقهية، وهذه المسألة هي معرفة السور والآيات المكية والسور والآيات المدنية في القرآن الكريم.

 

  • وقد اختلف بالمقصود بالسور المكية والسور المدنية على ثلاثة اصطلاحات عند العلماء، وهي:

أولاً: السور المكية هي السور التي نزلت بمكة المكرمة، والسور المدنية هي السور التي نزلت بالمدينة المنورة.

ثانياً: السور المكية هي السور التي نزلت قبل الهجرة النبوية وإن نزلت في المدينة المنورة، والسور المدنية هي السور التي نزلت بعد الهجرة وإن نزلت بمكة المكرمة.

ثالثاً: السور المكية هي السور التي وقعت خطاباً لأهل مكة، فخوطبوا يأيها الناس وإن كان غيرهم داخلا فيها، والسور المدنية هي السور وقعت خطاباً لأهل المدينة فخوطبوا يأيها الذين آمنوا وإن كان غيرهم داخلا فيهم.

 

قال في السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (4/ 178):

المدني والمكي اصطلاحين، وأنّ المشهور أنّ المكي ما نزل قبل الهجرة؛ والمدني ما نزل بعدها.

 

وقال في البرهان في علوم القرآن (1/ 187):

اعلم أن للناس في ذلك ثلاثة اصطلاحات:

أحدها: أن المكي ما نزل بمكة والمدني ما نزل بالمدينة.

والثاني: وهو المشهور أن المكي ما نزل قبل الهجرة وإن كان بالمدينة والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان بمكة.

والثالث: أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة وعليه يحمل قول ابن مسعود الآتي لأن الغالب على أهل مكة الكفر فخوطبوا يأيها الناس وإن كان غيرهم داخلا فيها وكان الغالب على أهل المدينة الإيمان فخوطبوا يأيها الذين آمنوا وإن كان غيرهم داخلا فيهم.... وقال الجعبري لمعرفة المكي والمدني طريقان سماعي وقياسي فالسماعي ما وصل إلينا نزوله بأحدهما والقياسي قال علقمة عن عبد الله كل سورة فيها يأيها الناس فقط أو كلا أو أولها حروف تهج سوى الزهراوين والرعد في وجه أو فيها قصة آدم وإبليس سوى الطولى فهي مكية وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية وكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية انتهى.

وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب فضائل القرآن حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال كل شيء نزل فيه يأيها الناس فهو بمكة وكل شيء نزل فيه يأيها الذين آمنوا فهو بالمدينة.

 

 

وقال في الإتقان في علوم القرآن (1/ 36):

فوائد معرفة ذلك العلم بالمتأخر فيكون ناسخاًً أو مخصصا على رأي من يرى تأخير المخصص.

اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة:

أشهرها: أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أو عام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار.

أخرج عثمان ابن سعد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال: ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهو من المكي وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو من المدني وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحا.

الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة وعلى هذا تثبت الواسطة فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني.

 

 

  • فوائد معرفة السور المكية والمدنية:

لمعرفة السور المكية والمدنية عدة فوائد، ومنها:

أولاً: معرفة الأحكام الناسخة والمنسوخة.

ثانياً: معرفة تاريخ التشريع.

 

قال في الإتقان في علوم القرآن (1/ 36):

فوائد معرفة ذلك العلم بالمتأخر فيكون ناسخا أو مخصصا على رأي من يرى تأخير المخصص.

 

 

وقال في مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 193):

من فوائد العلم بالمكي والمدني تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات من القرآن الكريم في موضوع واحد وكان الحكم في إحدى هاتين الآيتين أو الآيات مخالفا للحكم في غيرها ثم عرف أن بعضها مكي وبعضها مدني فإننا نحكم بأن المدني منها ناسخ للمكي نظرا إلى تأخر المدني عن المكي.

ومن فوائده أيضا معرفة تاريخ التشريع وتدرجه الحكيم بوجه عام وذلك يترتب عليه الإيمان بسمو السياسة الإسلامية في تربية الشعوب والأفراد. وسيستقبلك في هذا المبحث فروق بين المكي والمدني تلاحظ فيها جلال هذه الحكمة.

ومن فوائده أيضا الثقة بهذا القرآن وبوصوله إلينا سالما من التغيير والتحريف.

ويدل على ذلك اهتمام المسلمين به كل هذا الاهتمام حتى ليعرفون ويتناقلون ما نزل منه قبل الهجرة وما نزل بعدها.

 

 

 

  • خصائص السور المكية والمدنية:

أكثر السور المكية كانت في أول الدعوة وهم في مكة وحديثي عهد في الدخول بالإسلام فنزلت لإثبات العقيدة، ورد الشبه مع المشركين، وقصص الأنبياء ليستأنس بها المسلمون ويعلموا كيف صبروا في سبيل الدعوة.

أما أكثر السور المدنية فقد نزلت بعد دخول المدينة وبدأت الأحكام الشرعية تنزل على المسلمين فنزلت في الأحكام الشرعية، والرد على اليهود والنصارى لأن الدعوة بدأت تنتشر، والفتوى في المسائل لكثرة سؤال الناس عن أمر دينهم، وعن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم لورود الأمر بالدعوة للإسلام.

 

قال في تفسير ابن جزي (1/ 14):

خصائص السور المكية والمدنية:

واعلم أنّ السور المكية نزل أكثرها في إثبات العقائد والردّ على المشركين، وفي قصص الأنبياء. وأنّ السور المدنية نزل أكثرها في الأحكام الشرعية، وفي الردّ على اليهود والنصارى، وذكر المنافقين، والفتوى في مسائل، وذكر غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم.

 

 

  • طريقة معرفة المكي والمدني بأحد أمرين:

أحدهما: من أقوال الصحابة والتابعين.

ثانيهما: عن طريق ضوابط سنذكرها في النقطة التالية.

 

قال في مناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 193):

لا سبيل إلى معرفة المكي والمدني إلا بما ورد عن الصحابة والتابعين في ذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان للمكي والمدني. وذلك لأن المسلمين في زمانه لم يكونوا في حاجة إلى هذا البيان كيف وهم يشاهدون الوحي والتنزيل ويشهدون مكانه وزمانه وأسباب نزوله عيانا. وليس بعد العيان بيان.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه. وقال أيوب: سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل وأشار إلى سلع اهـ.

ولعل هذا التوجيه الذي ذكرته أولى مما ذكره القاضي أبو بكر في الانتصار إذ يقول ما نصه: ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قول لأنه لم يأمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول اهـ.

 

  • الضوابط التي يعرف فيها المكي والمدني، ومنها:

أولاً: كل سورة فيها لفظ كلا فهي مكية.

ثانياً: كل سورة فيها سجدة فهي مكية.

ثالثاً: كل سورة في أولها حروف التهجي فهي مكية سوى سورة البقرة وآل عمران.

رابعاً: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم السابقة فهي مكية سوى البقرة.

خامساً: كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية سوى البقرة.

سادساً: كل سورة فيها يا أيها الناس وليس فيها يا أيها الذين آمنوا فهي مكية.

سابعاً: كل سورة من المفصل فهي مكية.

ثامناً: كل سورة فيها الحدود والفرائض فهي مدنية.

 تاسعاً: كل سورة فيها إذن بالجهاد وبيان لأحكام الجهاد فهي مدنية.

عاشرا: كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ما عدا سورة العنكبوت.

 

قال في مناهل العرفان في علوم القرآن:

علامات وضوابط يعرف بها المكي والمدني. وهاك ضوابط المكي:

1- كل سورة فيها لفظ كلا فهي مكية وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن ثلاثا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة كلها في النصف الأخير من القرآن. قال الدريني رحمه الله:

وما نزلت كلا بيثرب فاعلمن ... ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى

قال العماني: وحكمة ذلك أن نصف القرآن الأخير نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة فتكررت فيه على وجه التهديد والتعنيف لهم والإنكار عليهم بخلاف النصف الأول. وما نزل منه في اليهود لم يحتج إلى إيرادها فيه لذلتهم وضعفهم اهـ.

2- كل سورة فيها سجدة فهي مكية لا مدنية.

3- كل سورة في أولها حروف التهجي فهي مكية سوى سورة البقرة وآل عمران فإنهما مدنيتان بالإجماع

وفي الرعد خلاف.

4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم السابقة فهي مكية سوى البقرة.

5- كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية سوى البقرة أيضا.

6- كل سورة فيها يا أيها الناس وليس فيها يا أيها الذين آمنوا فهي مكية ولكنه ورد على هذا ما تقدم بين يديك من سورة الحج.

7- كل سورة من المفصل فهي مكية. أخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: نزل المفصل بمكة فمكثنا حججا نقرؤه ولا ينزل غيره لكن يرد على هذا أن بعض سور المفصل مدني نزل بعد الهجرة اتفاقا كسورة النصر فإنها كانت من أواخر ما نزل بعد الهجرة بل قيل إنها آخر ما نزل كما سبق في مبحث أول ما نزل وآخر ما نزل. فالأولى أن يحمل كلام ابن مسعود هذا على الكثرة الغالبة من سور المفصل لا على جميع سور المفصل والمفصل على وزان معظم: هو السورة الأخيرة من القرآن الكريم مبتدأة من

سورة الحجرات على الأصح وسميت بذلك لكثرة الفصل فيها بين السور بعضها وبعض من أجل قصرها.

وقيل: سميت بذلك لقلة المنسوخ فيها فقولها قول فصل: لا نسخ فيه ولا نقض.

أما ضوابط المدني: فكما يأتي:

1- كل سورة فيها الحدود والفرائض فهي مدنية.

2- كل سورة فيها إذن بالجهاد وبيان لأحكام الجهاد فهي مدنية.

3- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ما عدا سورة العنكبوت. والتحقيق أن سورة العنكبوت مكية ما عدا الآيات الإحدى عشرة الأولى منها فإنها مدنية. وهي التي ذكر فيها المنافقون.

 

هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً