الحديث الضعيف
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد
من أقسام الحديث الشريف (الحديث الضعيف)، وسنذكر في هذا المبحث تعريفه، وحكم العمل به.
أولاً: تعريف الحديث الضعيف:
قال ابن الصلاح في مقدمته (ص: 112):
هو كل حديث لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحديث الحسن - المذكورات فيما تقدم - فهو حديث ضعيف. وأطنب أبو حاتم بن حبان البستي في تقسيمه، فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا، وما ذكرته ضابط جامع لجميع ذلك.
وقاله ابن جماعة في منهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي (ص: 38):
هو كل حديث لم تجتمع فيه شروط الصحيح ولا شروط الحسن.
أنواع الحديث الضعيف:
قسم أبو حاتم بن حبان البستي الحديث الضعيف إلى خمسين قسماً إلا واحدا، ولكن كلها تعود إلى جملة (هو كل حديث لم تجتمع فيه شروط الصحيح ولا شروط الحسن).
قال في المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي (ص: 38).
من أنواع الضعيف ما له لقب خاص كالمنقطع والمعضل والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمقطوع والموضوع.
قال في مقدمة ابن الصلاح (ص: 102):
تنبه على بعض الأمور المهمة ومنها:
أحدها: إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول: هذا ضعيف، وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف، وليس لك أن تقول هذا ضعيف وتعني به ضعف متن الحديث، بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد، فقد يكون مرويا بإسناد آخر صحيح يثبت بمثله الحديث، بل يتوقف جواز ذلك على حكم إمام من أئمة الحديث بأنه لم يرو بإسناد يثبت به، أو بأنه حديث ضعيف، أو نحو هذا مفسرا وجه القدح فيه. فإن أطلق ولم يفسر.
الثاني: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرها. وذلك كالمواعظ، والقصص، وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد. وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما.
الثالث: إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا " وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وإنما تقول فيه: " روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه، أو جاء عنه، أو روى بعضهم " وما أشبه ذلك. وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه، وإنما تقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه أولا، والله أعلم.
عند رواية الحديث الضعيف تنبه على أمور ومنها:
- لا تروي الحديث الضعيف إلا بعبارة تشير فيها إلا التمريض والضعف (روي- بلغنا -ورد عنه – جاء عنه) ونحوها، وليس بعبارة تدل بها على الجزم.
- إذا لم تشير بعبارة تدل على الضعف، فبين أنه ضعيف بصريح القول.
قال في الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (1/ 232): إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلي الله عليه وسلم قال: ذلك وإنما تقول فيه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو بلغنا عنه كذا وكذا أو ورد عنه او جاء عنه أو روى بعضهم وما أشبه ذلك.
وهذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه وإنما تقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما ظهر لك صحته بطريقة الذي أوضحناه أولا.
- لا يجوز رواية الضعيف إلا بصيغة التمريض شامل للضعيف الذي يمتنع العمل به وهو في الأحكام والذي شرع العمل به وهو في الفضائل وهو في الظاهر ومن الناس من يجزم ب قال في الضعيف إذا كان من فضائل الأعمال والأحوط المنع.
- قال في النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (2/ 322):
لا يجوز رواية الضعيف إلا مع تبيينه وقد حكاه العلامة أبو شامة المقدسي في كتاب البدع عن جمع من المحدثين والمحققين وأهل الفقه والأصول وقال إن جماعة من أهل الحديث يتساهلون في ذلك وهو خلاف ما عليه المحققون قال ومن تساهل فيه فهو خطأ بل ينبغي أن يبينه إن علم وإلا دخل تحت الوعيد من كذب علي متعمدا.
قلت ولهذا كان الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة وغيره من أهل الديانة إذا روى حديثا بهذه الصفة قال حدثنا فلان مع براءة من عهدته وقال البيهقي في سننه باب الاعتماد في الجلوس في الخلاء على اليسرى إن صح.
ويلتحق بتبيين الضعف أن يذكر الإسناد ولهذا اكتفى أحمد في مسنده والطبراني في معجمه والدارقطني وغيرهم بذلك في رواية كثير من الأحاديث من غير بيان ضعفها لظهور أمر حالها بالإسناد عند من له أدنى بصيرة بهذا الشأن. انتهى كلامه.
حكم العمل بالحديث الضعيف:
أولاً: إذا تلقته الأمة بالقبول فإنه يعمل عمل الحديث الصحيح.
قال الزركشي في النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (1/ 390):
الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح، حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع، ولهذا قال الشافعي في حديث لا وصية لوارث إنه لا يثبته أهل الحديث؛ ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية للوارث.
ثانياً:
لا يحتج بالحديث الضعيف بأحكام الحلال والحرام وأحكام العقائد، ويعمل به في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب.
قال ابن الملقن في المقنع في علوم الحديث (1/ 103) عند حديثه عن الحديث الضعيف:
لا يحتج به في الأحكام والعقائد، ويجوز روايته والعمل به في غير الأحكام كالقصص وفضائل الأعمال والترغيب والترهيب كذا ذكره النووي وغيره، وفيه وقفة فإنه لم يثبت، فإسناد العمل إليه يوهم ثبوته ويوقع من لا معرفة له في ذلك فيحتج به.
- قال في الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (1/ 232):
يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما.
وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل.
النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (2/ 308)
الضعيف لا يحتج به في العقائد والأحكام ويجوز روايته والعمل به في غير ذلك كالقصص وفضائل الأعمال والترغيب والترهيب ونقل ذلك عن ابن مهدي وأحمد بن حنبل وروى البيهقي في المدخل عن عبد الرحمن ابن مهدي أنه قال إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال وإذا روينا في فضائل الأعمال والثواب والعقاب سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال
وقال العباس بن محمد سئل أحمد بن حنبل - وهو على باب أبي النضر هاشم بن القاسم - فقيل له يا أبا عبد الله ما تقول في موسى بن عبيدة ومحمد بن إسحاق فقال أما موسى بن عبيدة فلم يكن به (أ 127) بأس ولكن حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما محمد بن إسحاق فرجل يكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما وقبض أصابع يديه الأربع ..... ونقل النووي في الجزء الذي جمعه في إباحة القيام فيه الاتفاق فقال (د 77) أجمع أهل الحديث وغيرهم على العمل في الفضائل ونحوها مما ليس فيه حكم ولا شيء من العقائد وصفات الله تعالى بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال إذا علمت هذا فقد نازع بعض المتأخرين وقال جوازه مشكل فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإسناد العمل إليه يوهم ثبوته ويؤدي إلى ظن من لا معرفة له بالحديث الصحة فينقلونه ويحتجون به وفي ذلك تلبيس قال وقد نقل بعض الأثبات عن بعض تصانيف الحافظ أبي بكر بن العربي المالكي أنه قال إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا.
الثاني حيث قلنا بالجواز في الفضائل شرط الشيخ أبو الفتح القشيري في شرح الإلمام أن يكون له اصل شاهد لذلك كاندراجه في عموم أو قاعدة كلية فأما في غير ذلك فلا يحتج به وقال في شرح العمدة حيث قلنا يعمل بالضعيف لدخوله تحت العمومات.
ثالثاً:
ألا يوجد في الباب سواه.
قال في النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (2/ 313):
ما ذكره من عدم العمل بالضعيف في الأحكام ينبغي أن يستثنى منه صور [أحدها] ألا يوجد سواه وقد ذكر الماوردي أن الشافعي احتج بالمرسل إذا لم يوجد دلالة سواه وقياسه في غيره، ومن الضعيف كذلك وقد نقل عن الإمام أحمد أنه يعمل بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره ولم يكن ثم ما يعارضه، قال الأثرم رأيت أبا عبد الله إذا كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناده شيء يأخذ به (إذا لم يجيء أثبت منه)، مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري، وربما أخذ بالمرسل إذا لم يجد خلافه، وقال القاضي أبو يعلى قد أطلق أحمد القول في الأخذ بالحديث الضعيف، فقال مهنا قال أحمد الناس كلهم أكفاء إلا الحائك والحجام والكساح، فقيل له تأخذ بحديث كل الناس أكفاء وأنت تضعفه؟ فقال إنما يضعف إسناده ولكن العمل عليه وكذلك قال في رواية ابن مشيش - وقد سأله عمن تحل له الصدقة - إلى أي شيء تذهب في هذا؟ فقال إلى حديث حكيم بن جبير قلت حكيم ثبت عندك في الحديث؟ قال ليس هو عندي ثبتا في الحديث، قال القاضي قول أحمد ضعيف أي على طريقة أصحاب الحديث لأنهم يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء، كالإرسال والتدليس والتفرد بزيادة في حديث وقوله والعمل عليه، معناه طريقة الفقهاء وقال مهنا سألت أحمد عن حديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة فقال ليس بصحيح والعمل عليه كان عبد الرزاق يقول عن معمر عن الزهري مرسلا.
قلت وهذا متعين فقد سبق عن الإمام أحمد أنه لا يعمل بالضعيف في الحلال والحرام، فدل على أن مراده بالضعيف هنا غير الضعيف هناك، ولا شك أن الضعيف تتفاوت مراتبه، وعلى هذه الطريقة بنى أبو داود كتابه السنن، وحكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتاب الجهر بالبسملة عن القاضي ابن العربي أنه سمع ابن عقيل الحنبلي في رحلته إلى العراق يقول مذهب أحمد أن ضعيف الأثر خير من قوي النظر، قال ابن العربي هذه وهلة من أحمد لا تليق بمنصبه فإن ضعيف الأثر لا يحتج به مطلقا، قال شيخنا شرف الدين بن قاضي الجبل من أصحابنا من قال هذا من تصرف ابن عقيل في المذهب على القواعد وليس كذلك، فقد نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله ذكره في مسائله، ورواه عنه شيخ الإسلام الأنصاري في كتابه ونصه قال عبد الله قال أبي ضعيف الحديث خير من قوي الراي.
قال شيخنا القاضي شرف الدين وإنما أتي من أنكر هذه اللفظة على أحمد لعدم معرفته بمراده، فإن الضعيف عند أحمد غير الضعيف في عرف المتأخرين، فعنده الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف لأنه ضعف عن درجة الصحيح وأما الضعيف بالاصطلاح المشهور فإن أحمد لا يعرج عليه أصلا انتهى.
تنبيه:
ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يقدم الحديث إذا لم يوجد في الباب غيره ولم يكن ثم ما يعارضه.
واختلف في المقصود بالحديث الضعيف عنده على فإن الضعيف عند أحمد غير الضعيف في عرف المتأخرين، فعنده الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف لأنه ضعف عن درجة الصحيح وأما الضعيف بالاصطلاح المشهور فإن أحمد لا يعرج عليه أصلا انتهى.
قال قال في النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (2/ 313) (باختصار):
وقد نقل عن الإمام أحمد أنه يعمل بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره ولم يكن ثم ما يعارضه، قال الأثرم رأيت أبا عبد الله إذا كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناده شيء يأخذ به (إذا لم يجيء أثبت منه)، مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري، وربما أخذ بالمرسل إذا لم يجد خلافه ......................... فقيل له تأخذ بحديث كل الناس أكفاء وأنت تضعفه؟ فقال إنما يضعف إسناده ولكن العمل عليه وكذلك قال في رواية ابن مشيش - وقد سأله عمن تحل له الصدقة - إلى أي شيء تذهب في هذا؟ فقال إلى حديث حكيم بن جبير قلت حكيم ثبت عندك في الحديث؟ قال ليس هو عندي ثبتا في الحديث، قال القاضي قول أحمد ضعيف أي على طريقة أصحاب الحديث لأنهم يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء، كالإرسال والتدليس والتفرد بزيادة في حديث وقوله والعمل عليه، معناه طريقة الفقهاء ....................... فقد سبق عن الإمام أحمد أنه لا يعمل بالضعيف في الحلال والحرام، فدل على أن مراده بالضعيف هنا غير الضعيف هناك، ولا شك أن الضعيف تتفاوت مراتبه، وعلى هذه الطريقة بنى أبو داود كتابه السنن، وحكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتاب الجهر بالبسملة ....................... قال شيخنا القاضي شرف الدين وإنما أتي من أنكر هذه اللفظة على أحمد لعدم معرفته بمراده، فإن الضعيف عند أحمد غير الضعيف في عرف المتأخرين، فعنده الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف لأنه ضعف عن درجة الصحيح وأما الضعيف بالاصطلاح المشهور فإن أحمد لا يعرج عليه أصلا انتهى.
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً