خطبة عن التدبر

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً).

 

أما بعد:

أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وتمسكوا بالعروة الوثقى.

 

قال تعالى:

أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

فعند تدبر القرآن وتفهم معانيه تعلم علم اليقين بأنه منزل من عند الله تعالى.

 

وقال سبحانه:

أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين.

 

ومن حكم تنزيل القرآن الكريم هو تدبر معانيه، قال سبحانه:

كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب.

 

وقد ذم سبحانه من لم يتدبر القرآن بمثل من على قلبه قفل لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.

قال سبحانه:

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.

 

ومعنى التدبير: أن تنظر إلى ما تؤل إليه عاقبة أمر معين، والتفكر فيه.

وهو النظر في عواقب الأمور، وما تؤل إليه.

 

أما تدبر القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر فيها.

 

ويقوي التدبر الإيمان، ويجعل الانسان متنقلاً بين حال الرغبة وحال الرهبة بحسب سياق الآيات.

 

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتدبر القرآن في صلاته.

فعن حذيفة- رضي الله عنه- قال:

صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ.

 

وكان صلى الله عليه وسلم تذرف عينه عند سماع آيات القرآن:

فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي» قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «فإني أحب أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، قال: «أمسك»، فإذا عيناه تذرفان.

 

وحضور القلب في الصلاة خير من تشتت القلب ولو زادت الركعات.

فعن ابن عباس- رضي الله عنهما-:

«ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب».

 

وكان الصحابة يستشعرون ويتدبرون آيات القرآن.

فكان ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه كان إذا تلا هذه الآية ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله، قال: «بلى يا رب، بلى يا رب».

 

ومن أقوال السلف في التدبر قول محمد بن كعب القرظي قال:

«لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بإذا زلزلت، والقارعة، لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحب إلي من أن أهذ القرآن ليلتي هذا- أو قال- أنثره نثرا».

 

ألا وصلوا عباد الله على خير الصادقين المخلصين، وإمام الحنفاء المخلصين، كما أمركم بذلك رب العالمين بقوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا).

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد أزكى البرية أجمعين، وخليل رب العالمين، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعملون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك يا رب العالمين. اللهم احفظ إمامنا بحفظك وأيده بتأييدك وأعز به دينك ياذا الجلال والإكرام.

 

اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وسنة نبيك يا رب العالمين.

 

اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

 

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

 

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، المضطهدين في دينهم في كل مكان، اللهم كن لهم عونًا وظهيرًا، وهيئ لهم من لدنك وليًا ونصيرًا. اللهم عليك بأعدائهم، فإنهم لا يعجزونك، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، وفرق جمعهم، وشتت شملهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.

 

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)، (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).

 

عباد الله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون). فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).