خطبة عن البكاء من خشية الله

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً).

 

أما بعد:

أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وتمسكوا بالعروة الوثقى.

 

قال تعالى في محكم التنزيل:

قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا (107) ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا (108) ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا (109).

 

ذكر الله تعالى صفة المؤمنين، أنهم عندما يسمعون ويقرأون كتاب الله أنهم يبكون من خشية الله تعالى.

 

وقال كذلك:

أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا.

 

والبكاء بمعنى خروج الدمع.

والمقصود إراقة الدموع من أثر الخوف من الله أو للتعبير عن حزن في القلب.

 

ومن أنواع البكاء:

النوع الأول:

البكاء المحمود، مثل:

البكاء من خشية من الله تعالى.

والبكاء عند سماع القرآن.

والبكاء الاعتبار والتدبر في ملكوت السماوات والأرض.

والبكاء خوفا من الوعيد في الآخرة.

 

النوع الثاني البكاء الطبيعي:

مثل البكاء لفقد عزيز، مثل بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه إبراهيم.

وبكاء الخوف من أمور الدنيا ومشاكلها، وهذا النوع يؤدي إلى المرض والاكتئاب.

 

النوع الثالث: البكاء المذموم، مثل:

بكاء الاعتراض، وهو المصحوب بحركات وأصوات تدل على الاعتراض على قدر الله.

وبكاء التصنع، لإثبات صدق قول أو دعوى ونحوه كما فعل إخوة يوسف عليه السلام، قال تعالى (وجاؤا أباهم عشاء يبكون).

 

ومن معاني البكاء نزول الدمع.

 

قال تعالى:

وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.

 

وقال:

ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون.

 

وقال:

وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم.

 

ومن البكاء المحمود ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله».

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم».

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذبه الله تعالى يوم القيامة».

 

وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي القرآن» قال: فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟

قال: «إني أشتهي أن أسمعه من غيري» ، فقرأت النساء حتى إذا بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل.

 

وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه-: من استطاع منكم أن يبكي فليبك ومن لم يستطع فليتباك.

 

ولقد بكى أبو هريرة في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي.

 

وقال أبو سليمان: عودوا أعينكم البكاء، وقلوبكم التفكر.

وقال: «الفكر في الدنيا حجاب عن الاخرة، والفكر في الاخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب».

 

ولقد قال سري السقطي: للخائف مقامات منها الحزن اللازم، والهم الغالب، والخشية المقلقة وكثرة البكاء، والتضرع في الليل والنهار، والهرب من مواطن الراحة، ووجل القلب.

 

والبكاء يدل على صلاح الإنسان وخشيته لله تعالى، ويوصل العبد للجنة لأنه من علامات الخوف من الله تعالى.

 

ألا وصلوا عباد الله على خير الصادقين المخلصين، وإمام الحنفاء المخلصين، كما أمركم بذلك رب العالمين بقوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا).

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد أزكى البرية أجمعين، وخليل رب العالمين، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعملون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك يا رب العالمين. اللهم احفظ إمامنا بحفظك وأيده بتأييدك وأعز به دينك ياذا الجلال والإكرام.

 

اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وسنة نبيك يا رب العالمين.

 

اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

 

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

 

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، المضطهدين في دينهم في كل مكان، اللهم كن لهم عونًا وظهيرًا، وهيئ لهم من لدنك وليًا ونصيرًا. اللهم عليك بأعدائهم، فإنهم لا يعجزونك، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، وفرق جمعهم، وشتت شملهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.

 

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)، (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).

 

عباد الله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون). فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).