الأقوال الفقهية في حكم العادة السرية (الاستمناء)
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فهذا بحث لطيف عن الاستمناء وهو ما يسمى اليوم بالعادة السرية، اسميته: الأقوال الفقهية في حكم المسمى العادة السرية (الاستمناء).
من المسائل التي يكثر فيها الجدل والخلاف مسألة الاستمناء، أو ما تسمى اليوم بالعادة السرية للرجل أو للمرأة فالحكم واحد لكليهما.
وهل تأخذ نفس الحكم عند الخوف من الوقع في الزنا، أو عند السفر، أو لقضاء الشهوة، أو لاستدعاء الشهوة (يعني ليس لديك شهوة جماع ولكن تقوم بالاستمناء لكي تستمتع فقط)؟
فعند دراسة أقوال المذاهب الفقهية الأربعة نجد أن أحكام المسألة تدور بين التحريم، والجواز، والكراهة.
ونحن نكتب في هذا المبحث اللطيف حكم المسألة بما يسره الله لنا من نقول لحكمها عند الفقهاء.
- الاستمناء: قال في معجم لغة الفقهاء (ص: 65):
اخراج المني بغير الوطء، بالكف ونحوه.
- ناكح: قال في المعجم الوسيط (2/ 951):
(الناكح) المتزوج والمتزوجة يقال هي ناكح في بني فلان.
- شهوة: قال في المعجم الوسيط (1/ 498):
(شهاه) شهوة أحبه ورغب فيه.
- العادة السرية: هو الاستمناء، وقال في معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 2130):
استمنى الصبي: مارس العادة السرية، طلب اللذة الجنسية منفردا باستنزال المني بدون جماع.
أولاً مذهب الحنفية:
- قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/ 61):
(قوله: أن يستمني بعلاج لتسكن شهوته) أما إذا قصد قضاء الشهوة فلا يحل كما في كتاب الصوم من إمداد الفتاح عن الخلاصة وصرح بالإثم إذا داوم عليه (قوله: ولا يكون مأجورا عليه) قال في إمداد الفتاح وقيل يؤجر إذا خاف الشهوة كذا في الكفاية عن الواقعات اهـ.
- قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (2/ 293):
فقال الفقيه أبو الليث: إن هذا القول زلة منه وهل يحل الاستمناء بالكف خارج رمضان إن أراد الشهوة؟ لا يحل، لقوله - عليه السلام - «ناكح اليد ملعون» ، وإن أراد تسكين الشهوة يرجى أن لا يكون عليه وبال كذا في الولوالجية.
- حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 96):
قوله: "وبه ينجو رأسا برأس" عبارة البحر عن المحيط ولو أن رجلا عزبا به فرط شهوة له أن يستمني بعلاج لتسكينها ولا يكون مأجورا البتة ينجو رأسا برأس هكذا روي عن أبي حنيفة اهـ والمراد بقوله رأسا برأس أنه لا أجر له ولا وزر عليه قوله: "يخشى منها" أي الوقوع في لواط أو زنا فيكون هذا من ارتكاب أخف الضررين قوله: "لا لجلبها" أي فيحرم .... قوله: "سواء المرأة ... الخ" تعميم في قول المصنف خروج المني إلى ظاهر الجسد وقيل يلزمها الغسل من غير رؤية الماء إذا وجدت اللذة قوله: "ويفتي بقول أبي يوسف" عبارته في الشرح أولى وهي الفتوى.
- قال في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 399):
(قوله: وكذا الاستمناء بالكف ولو خاف الزنى ... إلخ) الظاهر أنه غير قيد بل لو تعين الخلاص من الزنا به وجب؛ لأنه أخف وعبارة الفتح فإن غلبته الشهوة ففعل إرادة تسكينها به فالرجاء ألا يعاقب اهـ ..... .
ويجوز أن يستمني بيد زوجته وخادمته اهـ وسيذكر الشارح في الحدود عن الجوهرة أنه يكره ولعل المراد به كراهة التنزيه فلا ينافي قول المعراج يجوز تأمل وفي السراج إن أراد بذلك تسكين الشهوة المفرطة الشاغلة للقلب وكان عزبا لا زوجة له ولا أمة أو كان إلا أنه لا يقدر على الوصول إليها لعذر قال أبو الليث أرجو أن لا وبال عليه وأما إذا فعله لاستجلاب الشهوة فهو آثم اهـ.
بقي هنا شيء وهو أن علة الإثم هل هي كون ذلك استمتاعا بالجزء كما يفيده الحديث وتقييدهم كونه بالكف ويلحق به ما لو أدخل ذكره بين فخذيه مثلا حتى أمنى، أم هي سفح الماء وتهييج الشهوة في غير محلها بغير عذر كما يفيده قوله وأما إذا فعله لاستجلاب الشهوة... إلخ؟ لم أر من صرح بشيء من ذلك والظاهر الأخير؛ لأن فعله بيد زوجته ونحوها فيه سفح الماء لكن بالاستمتاع بجزء مباح كما لو أنزل بتفخيذ أو تبطين بخلاف ما إذا كان بكفه ونحوه وعلى هذا فلو أدخل ذكره في حائط أو نحوه حتى أمنى أو استمنى بكفه بحائل يمنع الحرارة يأثم أيضا ويدل أيضا على ما قلنا ما في الزيلعي حيث استدل على عدم حله بالكف بقوله تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون: 5] الآية وقال فلم يبح الاستمتاع إلا بهما أي بالزوجة والأمة اهـ فأفاد عدم حل الاستمتاع أي قضاء الشهوة بغيرهما هذا ما ظهر لي والله سبحانه أعلم.
- قال في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 27):
(قوله الاستمناء حرام) أي بالكف إذا كان لاستجلاب الشهوة، أما إذا غلبته الشهوة وليس له زوجة ولا أمة ففعل ذلك لتسكينها فالرجاء أنه لا وبال عليه كما قاله أبو الليث، ويجب لو خاف الزنا (قوله كره) الظاهر أنها كراهة تنزيه؛ لأن ذلك بمنزلة ما لو أنزل بتفخيذ أو تبطين تأمل وقدمنا عن المعراج في باب مفسدات الصوم: يجوز أن يستمني بيد زوجته أو خادمته، وانظر ما كتبناه هناك (قوله ولا شيء عليه) أي من حد وتعزير، وكذا من إثم على ما قلناه.
مذهب الحنفية في حكم الاستمناء (العادة السرية) على النحو التالي:
- استمناء الشخص (الرجل أو المرأة) بيديه لغرض ليجلب الشهوة ويستمتع بدون خوفه من الزنا فحكمه حرام.
- استمناء الشخص (الرجل أو المرأة) بيديه لغرض الخوف من الوقوع في الزنا فيستمني لتسكن شهوته ولا يطلب الزنا فحكمه الجواز مع الكراهة.
- استمناء الزوج بيد زوجته واستمناء الزوجة بيد زوجها حكمه الجواز.
ثانياً: مذهب المالكية:
- قال في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (3/ 166):
(فائدة): قال في التوضيح: قال ابن بشير: وقد أخذ المتأخرون من هذا أن الاستمناء باليد حرام لقوله شرار النساء واستدلوا على ذلك بقوله تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون: 5] الآية انتهى وانظر هذا الأخذ مع قوله، أو عبث بذكره ولم يقل شرار الرجال، فتأمله، ولا شك في حرمة ذلك، والله أعلم.
- قال في حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 416):
[قوله: كالزنا] تفسير للمباشرة بالفرج، وأدخل تحت الكاف اللواط والاستمناء باليد. [قوله: {فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 7]] أي المتجاوزون ما لا يحل لهم.
- قال في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 373):
قال ابن غازي: ظاهره أنه يجوز له الاستمناء بيدها ولا أعلم أحدا من أهل المذهب صرح بذلك.
- قال في شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 358):
(قوله سواء كان ذلك بيده) اعلم أن استمناء الشخص بيده حرام خشي الزنا أم لا لكن إن لم يندفع عنه الزنا إلا به قدمه عليه ارتكابا لأخف المفسدتين وفي استمنائه بيد زوجته خلاف والراجح الجواز.
- قال في الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (1/ 173):
(قوله: ويجوز) أي الاستمتاع وقوله كالاستمتاع بيدها وصدرها أي وكذا عكن بطنها وذلك بأن يستمني بما ذكر من الأمور الثلاثة.
مذهب المالكية في حكم الاستمناء (العادة السرية) على النحو التالي:
- استمناء الشخص (الرجل أو المرأة) بيديه لغرض ليجلب الشهوة ويستمتع بدون خوفه من الزنا فحكمه حرام.
- استمناء الشخص (الرجل أو المرأة) بيديه لغرض الخوف من الوقوع في الزنا فيستمني لتسكن شهوته ولا يطلب الزنا فحكمه التحريم ولكن يقدمه على الزنا لأن مفسدته أقل من مفسدة الزنا.
- استمناء الزوج بيد زوجته واستمناء الزوجة بيد زوجها حكمه الجواز.
ثالثاً مذهب الشافعية:
- قال في الأم للشافعي (5/ 101):
قال الله عز وجل {والذين هم لفروجهم حافظون - إلا على أزواجهم} [المؤمنون: 5 - 6] قرأ إلى {العادون} [المؤمنون: 7] (قال الشافعي): فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى ...... ولا يحل الاستمناء والله تعالى أعلم.
- قال في الحاوي الكبير (17/ 238):
والاستمناء بعيد عن الناكح، ويمنع من التناسل فكان محظورا لكنه من صغائر المعاصي، فينهى عنه الفاعل، وإن عاد بعد النهي عزر، ولا يعتبر فيه شهود الزنا، ويقبل فيه شاهدين، وإن استحق فيه التعزير بعد النهي، ولا يجب في القذف به حد ولا تعزير إن لم يعزر الفاعل.
- قال في المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (3/ 341):
ويحرم الاستمناء لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} ولأنها مباشرة تفضي إلى قطع النسل فحرم كاللواط فإن فعل عزر ولم يحد لأنها مباشرة محرمة من غير إيلاج فأشبهت مباشرة الأجنبية فيما دون الفرج. وبالله التوفيق.
- قال في البيان في مذهب الإمام الشافعي (9/ 506):
ويحرم الاستمناء، وهو: إخراج الماء الدافق بيده، وبه قال أكثر أهل العلم.
- قال في المجموع شرح المهذب (20/ 32):
قوله: (الوطء) ولو بحائل ثخين كأنبوبة، ومحل المنع إذا لم يخف الزنا فإن خافه جاز إن تعين طريق لدفعه كما قاله م ر. بل ينبغي وجوبه؛ لأنه يرتكب أخف المفسدتين، وقياسه حل الاستمناء إن تعين للدفع، فلو كان يندفع بكل من الزنا والاستمناء تعين الاستمناء لخفته .. ...... وعند الشافعي صغيرة، قال النسابة في شرح منظومة الأنكحة لابن العماد فرع: الاستمناء باليد حرام، وعند ابن كج أنه توقف فيه في القديم والمذهب الجزم بتحريم وفي الجديد: ناكح يده ملعون، وفي الحديث: «إن أقواما يأتون يوم القيامة أيديهم حبالى» ..... ويجوز أن يستمني بيد زوجته وجاريته كما يستمتع بسائر جسدها ذكره المتولي اهـ .....
- قال في إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين (3/ 388):
أي لا يجوز الاستمناء بيده، أي ولا بيد غيره غير حليلته، ففي بعض الأحاديث لعن الله من نكح يده.
مذهب الشافعية في حكم الاستمناء (العادة السرية) على النحو التالي:
1- استمناء الشخص (الرجل أو المرأة) بيديه لغرض ليجلب الشهوة ويستمتع بدون خوفه من الزنا فحكمه حرام.
2- استمناء الشخص (الرجل أو المرأة) بيديه لغرض الخوف من الوقوع في الزنا فيستمني لتسكن شهوته ولا يطلب الزنا فحكمه الجواز ويحتمل الوجوب.
3- استمناء الزوج بيد زوجته واستمناء الزوجة بيد زوجها حكمه الجواز.
رابعاً مذهب الحنابلة:
- قال في الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 93):
ويحرم الاستمناء باليد؛ لأنها مباشرة تفضي إلى قطع النسل، فحرمت كاللواط، ولا حد فيه؛ لأنه لا إيلاج فيه، فإن خشي الزنا، أبيح له؛ لأنه يروى عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
- قال في المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2/ 154):
ويباح لمن يخشى العنت أن يستمنى بيده فإن لم يخشه حرم وعنه يكره تنزيها.
- قال في المبدع في شرح المقنع (7/ 427):
(ومن استمنى بيده لغير حاجة) حرم، و (عزر) لأنه معصية، ولقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون: 5] ولحديث رواه الحسن بن عرفة في جزئه، وعنه: يكره تنزيها، نقل ابن منصور: لا يعجبني بلا ضرورة، قال مجاهد: كانوا يأمرون فتيانهم أن يستعفوا به، وعنه: يحرم مطلقا، ونقله البغوي في تفسيره، عن أكثر العلماء، (وإن فعله خوفا من الزنا فلا شيء عليه) لأنه لو فعل ذلك خوفا على بدنه لم يلزمه شيء، ففعله خوفا على دينه أولى، ويجوز في هذه الحالة، وهذا إذا لم يقدر على نكاح، ولو أَمَة، نص عليه، وعنه: يكره، والمرأة كالرجل، فتستعمل شيئا مثل الذكر، ويحتمل المنع وعدم القياس، ذكره ابن عقيل.
- قال في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (10/ 251):
قوله (ومن استمنى بيده لغير حاجة: عزر). هذا المذهب. وعليه الأصحاب، لفعله محرما.... وعنه: يكره. نقل ابن منصور: لا يعجبني بلا ضرورة قوله (وإن فعله خوفا من الزنا: فلا شيء عليه). هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب، لإباحته إذن. .... وهو من مفردات المذهب.
فائدتان إحداهما: لا يباح الاستمناء إلا عند الضرورة. ....
الثانية: حكم المرأة في ذلك حكم الرجل.
- قال في شرح منتهى الإرادات = دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (3/ 366):
(ومن استمنى من رجل أو امرأة لغير حاجة حرم) فعله ذلك (وعزر) عليه لأنه معصية (وإن فعله خوفا من الزنا) أو اللواط (فلا شيء عليه) كما لو فعله خوفا على بدنه بل أولى (فلا يباح) الاستمناء لرجل بيده (إلا إذا لم يقدر على نكاح ولو لأمة) لأنه مع القدرة على ذلك لا ضرورة إليه وقياسه المرأة فلا يباح لها إلا إذا لم يرغب أحد في نكاحها
مذهب الحنابلة في حكم الاستمناء (العادة السرية) على النحو التالي:
1- استمناء الشخص (الرجل أو المرأة) بيديه لغرض ليجلب الشهوة ويستمتع بدون خوفه من الزنا فحكمه حرام ورواية صحيحة بأنه مكروه.
2- استمناء الشخص (الرجل أو المرأة) بيديه لغرض الخوف من الوقوع في الزنا فيستمني لتسكن شهوته ولا يطلب الزنا فحكمه الجواز.
3- استمناء الزوج بيد زوجته واستمناء الزوجة بيد زوجها حكمه الجواز.
أقوال المذاهب الأربعة الفقهية في حكم الاستمناء (العادة السرية) على النحو التالي:
- تحريم الاستمناء بدون الخوف من الزنا وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، ورواية صحيحة عند الحنابلة أنه مكروه.
- جواز الاستمناء مع الكراهة عند الخوف من الزنا وليدفع به الزنا ولا يزني وهو مذهب الحنفية.
- جواز الاستمناء بدون كراهة عند الخوف من الزنا وليدفع به الزنا ولا يزني وهو مذهب الحنابلة.
- جواز الاستمناء ويحتمل الوجوب عند الخوف من الزنا وليدفع به الزنا ولا يزني وهو مذهب الشافعية.
- تحريم الاستمناء عند الخوف من الزنا ولكن يفعله ويستمني ليدفع به الزنا ولا يزني وهو مذهب المالكية.
- جواز استمناء أحد الزوجين بيد الآخر وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
أولاً:
القول بتحريم الاستمناء بيد نفس الشخص:
- قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) {المؤمنون: 5 - 6)
- وقوله تعالى : {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) {المؤمنون: 7)
وجه الدلالة:
- قال في الحاوي الكبير (9/ 320)
فحظر ما سوء الزوجات وملك اليمين، وجعل مبتغي ما عداه عاديا متعديا.
- قال في اختلاف الفقهاء لابن جرير (ص: 303)
فاخبر جل ثناؤه أن من لم يحفظ فرجه عن غير زوجته وملك يمينه فهو من العادين والمستمني عاد بفرجه عنهما.
مناقشة الدليل:
الآية يقصد بها الاعتداء على الغير في الزنا ونحوه وأما استمناء الشخص لنفسه بنفسه فلا يدخل فيها.
- عن حسان بن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين، ويدخلهم النار أول الداخلين إلا أن يتوبوا إلا أن يتوبوا إلا أن يتوبوا؛ فمن تاب تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل والمفعول به، ومدمن الخمار، والضارب (أبويه) حتى يستغيثا، والمؤذي [جيرانه] حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره» .
وجه الدلالة:
التحريم ووجوب التوبة ممن عمل هذه السبعة ومنها ناكح اليد وهو الاستمناء.
مناقشة الدليل:
البدر المنير (7/ 662)
وهذا حديث غريب وإسناده لا يثبت بمثله حجة ، حسان بن حمير مجهول، ومسلمة وعلي ضعفهما الأزدي من أجل هذا الحديث، وساقه ابن الجوزي في «علله» كذلك، ثم قال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحسان لا يعرف (ولا مسلمة) ثم ساق بإسناده من حديث (بقية) عن إسماعيل البصري، عن أبي جناب الكلبي، عن ابن عمير عن أبي سعيد الخدري رفعه «أهلك الله - عز وجل - أمة كانوا يعبثون بذكورهم» ثم قال: هذا حديث ليس بشيء؛ إسماعيل مجهول، وأبو جناب ضعيف.
- ولأنه ذريعة إلى ترك النكاح، وانقطاع النسل فاقتضى أن يكون محرما كاللواط.
- المجموع شرح المهذب (16/ 421)
وقد قرر علماء وظائف الاعضاء والطب البشرى أن الاستمناء مفض إلى قتل الرغبة الجنسية، ويجعل المرء لا ينتشر عند الوقاع إلا إذا أستمنى بيده مما يعطل وظيفته كزوج، ويقتل صلاحية عضوه أو يقلل كفاءته الزوجية، وكل هذا من المفاسد المنهى عنها.
وجه الدلالة:
هذه بعض علل تحريم استمناء الشخص بنفسه.
مناقشة الدليل:
لابد يكون التحريم بدليل صريح وأما العلل فبعض الأطباء استحبوا فعل الاستمناء لغير المتزوج لكيلا تقتل الرغبة لديه ولا يضعف الانتصاب مع مرور الزمن بدون جماع.
ثانياً:
القول بجواز استمناء الزوج بيد زوجته واستمناء الزوجة بيد زوجها:
- قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) {المؤمنون: 5 - 6).
وجه الدلالة:
أن الاستمناء بيد الزوجة وللزوج بيد الزوج يعتبر من حفظ الفرج وليس تعدي إلا محرم.
ثالثاً:
القول بجواز الاستمناء خوف الزنا:
- قال في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 96):
هذا من ارتكاب أخف الضررين.
- قال في الحاوي الكبير (17/ 238)
وذهب بعض فقهاء البصرة إلى إباحته في السفر دون الحضر، لأنه يمنع من الفجور، ويبعث على غض الطرف.
وجه الدلالة:
من قال بتحريم الاستمناء للشخص نفسه قال بجواز الاستمناء عند الخوف من الزنا لأن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب وأما الاستمناء فليس بكبيرة ومن قال بأنه كبيرة فإنه يقول بأن ضرره أقل من ضرر الزنا فقدم فعل الاستمناء على فعل الزنا.
رابعاً :
القول بجواز الاستمناء بكراهة أو بدونها:
- قول الله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} [الأنعام: 119].
- وقوله تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: 29]
وجه الدلالة:
المحلى بالآثار (12/ 407)
وليس هذا مما فصل لنا تحريمه فهو حلال.
مناقشة الدليل:
بل فصل لنا تحريم الاستمناء في عموم قوله سبحانه ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما املكت أيمانهم ).
- قال في البيان في مذهب الإمام الشافعي (9/ 506):
وروي: أن عمرو بن دينار - رضي الله عنهما - رخص فيه عند الاضطرار وخوف الهلكة. وبه قال أحمد ابن حنبل - رحمه الله تعالى -.
قال مجاهد كانوا يأمرون فتيانهم أن يستعفوا به، وقال العلاء بن زياد كانوا يفعلونه في مغازيهم
- قال في المحلى بالآثار (12/ 407)
قتادة عن العلاء بن زياد عن أبيه أنهم كانوا يفعلونه في المغازي " يعني الاستمناء " يعبث الرجل بذكره يدلكه حتى ينزل - قال قتادة: وقال الحسن في الرجل يستمني يعبث بذكره حتى ينزل، قال: كانوا يفعلون في المغازي...... وعن مجاهد قال: كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك
وجه الدلالة:
أنه من الاستعفاف ولا يبحث عن الحرام ليطفي شهوته.
مناقشة الدليل:
هذه التعليلات لا تقدم على أدلة التحريم ولا يصار إليها إلا إن لم يكن هناك أدلة على التحريم.
- قال في المحلى بالآثار (12/ 407):
كذلك " الاستمناء " للرجال سواء سواء، لأن مس الرجل ذكره بشماله مباح، ومس المرأة فرجها كذلك مباح، بإجماع الأمة كلها، فإذ هو مباح فليس هنالك زيادة على المباح، إلا التعمد لنزول المني، فليس ذلك حراما أصلا، لقول الله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} [الأنعام: 119] وليس هذا مما فصل لنا تحريمه فهو حلال، لقوله تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: 29] إلا أننا نكرهه، لأنه ليس من مكارم الأخلاق، ولا من الفضائل.
وجه الدلالة:
عندما نفصل مسألة الاستمناء نجد أنه بجميح حركاته مباح وليس فيه شيء محرم.
مناقشة الدليل:
هذه التعليلات لا تقدم على أدلة التحريم ولا يصار إليها إلا إن لم يكن هناك أدلة على التحريم.
ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر ، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين ، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك .
والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم