تنبيه العوام في حكم غسل اليدين للطعام

 

  • المقدمة:

من أداب الطعام التي يتصف بها المؤمنون هو غسل اليدين قبل الأكل وبعده، ولكن يقول البعض بأن هذا الأدب غير موجود في الشريعة ومهم من يقول بكراهته أو وجوبه.

ونحن في هذا المبحث اللطيف نذكر أقوال المذاهب الأربعة الفقهية وأدلتهم بما تيسر.

 

  • أقوال المذاهب الأربعة:

 

أولاً مذهب الحنفية:

1- قال في منحة السلوك في شرح تحفة الملوك (ص: 473)

قوله: (ومن سنن الأكل غسل يديه قبله وبعده) لقوله عليه السلام: "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم".

 

2-  قال في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 525)

(وسنة الأكل البسملة في أوله والحمدلة في آخره) .......(وغسل اليد قبله) أي قبل الطعام (وبعده) قال النبي - عليه الصلاة والسلام - «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم» والوضوء هنا غسل اليد (ويبدأ بالشبان قبله) أي قبل الأكل لئلا ينظر إليهم الشيوخ (وبالشيوخ بعده) وهو أدب لما فيه إكرام لهم فلا يمسح يد قبل الطعام بالكلية.

 

3- قال في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (6/ 340):

(قوله وغسل اليدين قبله) لنفي الفقر ولا يمسح يده بالمنديل ليبقى أثر الغسل، وبعده لنفي اللمم، ويمسحها ليزول أثر الطعام، وجاء أنه بركة الطعام.

 

فمذهب الحنفية هو في حكم غسل اليدين قبل الأكل وبعده هو السُنية.

 

 

ثانياً مذهب المالكية:

1- قال في الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص: 694):

قال مالك: وليس العمل على قوله عليه الصلاة والسلام: "الغسل قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم" أي ليس عمل أهل المدينة عليه، أي ومذهبه أنه يقدم على الحديث وإن كان صحيحا، وذلك لأن عملهم على خلاف حديث المصطفى لا يكون إلا لموجب، وذلك لكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل خلاف مقتضاه الدال على نسخه "إلا أن يكون بها" أي اليد"أذى" أي قذر فيجب غسلها إكراما للطعام وفي قوله: "وليغسل يده وفاه بعد الطعام من الغمر" تكرار بالنسبة لليد مع قوله وإن غسلت يدك من الغمر الخ لأنه لا فرق بين قوله فحسن.

 

2- قال في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 321):

من آداب الأكل غسل اليد بعد الأكل من الغمر، بين هنا أنه لا يندب غسلها قبله بقوله: (وليس غسل اليد قبل) أكل (الطعام من السنة) بل مكروه كما قاله مالك، وإن ورد حديث بغسلها قبل الطعام فإن مالكا قال: ليس العمل عليه، وأنا أقول: قد تقرر جواز العمل بالحديث الضعيف في الأعمال، والمسألة هنا من العمل، فلعل الأولى الغسل قبل الطعام لما قيل من أنه ينفي الفقر، وبعده لما قيل من أنه ينفي اللمم، ولا سيما وقد اشتهر أن الغسل اليوم قبل الأكل من شعائر الأكابر وما كل بدعة مذمومة ومحل النزاع (إلا أن يكون) قد حل (بها أذى) أي قذر ولو طاهرا فإنه يطلب غسله وجوبا إن كان نجسا وندبا إن كان طاهرا، وربما يجب إن كان عدم الغسل يؤذي غيره، كما لو كان يمتخط بيمينه وأراد الأكل بها فيجب عليه عند الأكل مع غيره غسلها هكذا ينبغي، ولا فرق في جميع ذلك بين كون الطعام رطبا أو يابسا حارا أو باردا لامتهان الطعام عند تناوله باليد القذرة.

 

فمذهب المالكية هو في حكم غسل اليدين قبل الأكل هو الكراهة إلا إن كان بها أذى فيجب غسلها، ويندب غسل اليد بعد الأكل بسبب بقايا الطعام.

 

 

ثالثاً مذهب الشافعية:

1- قال في الحاوي الكبير (9/ 561)

ويختار له إذا أكل أن يستعمل آداب أكله المسنونة.

فمنها غسل يديه قبل الطعام وبعده، ولو توضأ في الحالين كان أفضل.

روى أبو هاشم عن زاذان عن سلمان قال: قرأت في التوراة الوضوء قبل الطعام بركة الطعام فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: " الوضوء قبل الطعام وبعد الطعام بركة الطعام ".

 

2- قال في المجموع شرح المهذب (16/ 405):

قال (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) يريد بذلك غسل اليد وروت عائشة أم المؤمنين عليها السلام إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حضر الاكل إلى أحدكم فليذكر اسم الله، فان نسى أن يذكر اسم الله في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره

 

فمذهب الشافعية في حكم غسل اليدين قبل الأكل وبعده هو السُنية.

 

 

رابعاً مذهب الحنابلة:

1- قال في المغني لابن قدامة (7/ 289):

يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده، وإن كان على وضوء، قال المروذي: رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده، وإن كان على وضوء. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أحب أن يكثر خير بيته، فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع» رواه ابن ماجه، وروى أبو بكر، بإسناده عن الحسن بن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم» يعني به غسل اليدين.

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نام وفي يده ريح غمر، فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه». رواه أبو داود.

 

2- قال في شرح منتهى الإرادات = دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (3/ 37):

(و) يسن (غسل يديه) إذا أراد الأكل (قبل طعام) وإن كان على وضوء (متقدما به) أي: الغسل (ربه) أي: الطعام على الضيف إن كان (و) غسل يديه أيضا (بعده) أي: الطعام (متأخرا به) أي: الغسل (ربه) أي: الطعام عن الضيف إن كان لحديث «من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه، وإذا رفع» رواه ابن ماجه. ; ولأبي بكر عن الحسن مرفوعا «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم» يعني به: غسل اليدين.

 

3- قال في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (8/ 324) :

 ويغسل يديه قبل الطعام وبعده. على الصحيح من المذهب. وعليه أكثر الأصحاب. وعنه: يكره قبله. اختاره القاضي. قاله في الفروع. قال: وأطلق جماعة رواية الكراهة.

قلت: قال في المستوعب وغيره: وعنه يكره اختاره القاضي. وقال ابن الجوزي في المذهب: يستحب غسل يديه بعد الطعام إذا كان له غمر. انتهى.

 

فمذهب الحنابلة هو في حكم غسل اليدين قبل الأكل وبعده هو السُنية ، ورواية بالكراهة الغسل قبل الأكل .

 

  • أدلة المسألة

1- حديث في أبي داود والترمذي «بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده».

 

وجه الدلالة:

في الحديث الحث على غسل اليدين قبل وبعد الطعام، المقصود بالوضوء هو غسل اليدين.

 

مناقشة الدليل:

قال في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 180):

حديث ضعيف، والمراد به غسل اليد ومحمله عندنا ما إذا أصابها أذى من عرق ونحوه، ومنه الحديث الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم ويصحح البصر ذكره صاحب الجمع وذكره في الإحياء ولم يذكر قوله: ويصحح البصر.

 

2- حديث أنس مرفوعاً: "من أحب أن يكثر خير بيته، فليتوضأ إذا حضر غداؤه، وإذا رفع".

 

وجه الدلالة:

الحث على غسل اليدين قبل الطعام وبعده.

 

مناقشة الدليل:

إسناده ضعيف. رواه ابن ماجه وغيره. وعن سلمان مرفوعاً: "بركة الطعام: الوضوء قبله وبعده". قال جماعة من العلماء: المراد بالوضوء هنا: غسل اليدين، لا الوضوء الشرعي. وعنه: يكره قبله. اختاره القاضي. قال الشيخ تقي الدين: من كرهه، قال: هذا من فعل اليهود، فيكره التشبه بهم.

 

  • الخلاصة :

تدور المسألة على قولين ولكل قول أدلته التي يحتج بها وردوده على أدلة القول الثاني، الأول سُنية غسل اليدين قبل الطعام وبعده وهو رأي الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، الثاني الكراهة قبل الأكل وهو قول المالكية ورواية عند الحنابلة.

 

  • الترجيح:

ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك .

 

 

والله أعلم

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم