تنبيه الغافل عن مكان صلاة النوافل

 

  • المقدمة:

الحمد الله الذي قال " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون " سورة الذاريات.

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم الذي قال في الحديث القدسي ( ...  وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 

من المعلوم عند أهل الإسلام بأن النوافل تكمل ما نقص من الفرائض فلقد روى أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، يقول ربنا عز وجل لملائكته - وهو أعلم -: انظروا في صلاة عبدي هل أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم".

 

والنوافل تنقسم إلى عدة عبادات فهناك نوافل في الأذكار وفي الصلاة والصيام والصدقة والمناسك وغيرها.

وهنا نتكلم عن النوافل في الصلاة أين تستحب أن تؤدى هل تؤدى في المساجد أو البيوت وبحثنا على وفق المذاهب الفقهية الأربعة وبالله التوفيق.

 

  • أقوال المذاهب الفقهية الأربعة:

 

أولاً مذهب الحنفية:

 

1- قال في منحة السلوك في شرح تحفة الملوك (ص: 147):

قوله: (والأفضل في السنن والنوافل: المنزل) لما روى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة" رواه أبو داود.

 

2- قال في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 390):

والأفضل في السنن القبلية والبعدية أداؤها في المنزل كما كان غالب حاله صلى الله عليه وسلم.

 

3- قال في الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 71):

 والسنة فيها الأداء في البيت وكذا سائر السنن إلا التراويح.

 

4- قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (2/ 53):

والأفضل في السنن أداؤها في المنزل إلا التراويح وقيل إن الفضيلة لا تختص بوجه دون وجه وهو الأصح لكن كل ما كان أبعد من الرياء وأجمع للخشوع والإخلاص فهو أفضل.

 

فمذهب الحنفية بأن صلاة النفل الذي لا تسن فيها الجماعة فالأفضل تكون في البيت.

 

 

ثانيا ً مذهب المالكية:

 

1- قال في البيان والتحصيل (1/ 261):

وسئل عن الصلاة في النوافل في البيوت أحب إليك أم في المسجد؟ قال: أما في النهار فلم يزل من عمل الناس الصلاة في المسجد يجرون ويصلون، وأما الليل ففي البيوت.

قال محمد بن رشد: استحب مالك صلاة النافلة بالنهار في المسجد على صلاتها في البيت.

 

2- قال في شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 2):

قال في المدخل في آداب طالب العلم: ينبغي له أن يشد يده على مداومته على فعل السنن والرواتب وما كان منها تبعا للفرائض قبله أو بعده، فإظهارها في المسجد أفضل من فعلها في بيته كما كان - عليه الصلاة والسلام - يفعل عدا موضعين كان لا يفعلهما إلا في بيته بعد الجمعة وبعد المغرب أما بعد الجمعة: فلئلا يكون ذريعة لأهل البدع الذين لا يرون صحة الجمعة إلا خلف إمام معصوم. وأما بعد المغرب: فشفقة على الأهل؛ لأن الشخص قد يكون صائما فينتظره أهله وأولاده للعشاء ويتشوفون إلى مجيئه فلا يطول عليهم اهـ.

 

3- قال في شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني (1/ 495):

عرفة وسمع ابن القاسم أحب النفل نهارًا في المسجد وليلًا في البيت ابن رشد لشغل باله بأهل بيته نهارًا فلو أم من ذلك كان في البيت أفضل وسمع نفل الغريب بمسجده - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي وغيره ببيته ابن رشد لأن الغريب لا يعرف وغيره يعرف وعمل السر أفضل اهـ.

 

فمذهب المالكية بأن صلاة النفل التي لا تسن فيه جماعة تكون في البيت أفضل إذا كانت في الليل وتكون في المسجد أفضل إذا كانت في النهار، وأما السنن الرواتب ففي المسجد أفضل باستثناء سنة المغرب والجمعة ففي البيت أفضل.

 

 

ثالثاً مذهب الشافعية:

 

1- قال في البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/ 282):

وأفضل التطوع في البيت؛ لما روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا».

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة»، ولأنه أبعد من الرياء.

 

2- قال في المجموع شرح المهذب (4/ 48):

قال أصحابنا وغيرهم من العلماء فعل ما لا تسن له الجماعة من التطوع في بيته أفضل منه في المسجد وغيره سواء في ذلك تطوع الليل والنهار وسواء الرواتب مع الفرائض وغيرها.

 

3- قال في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (2/ 107):

(وأفضله) أي الانتقال للنفل يعني الذي لا تسن فيه الجماعة ولو لمن بالكعبة والمسجد حولها (إلى بيته) للخبر المتفق عليه «صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ولأن فيه البعد عن الرياء وعود بركة الصلاة على البيت وأهله كما في حديث ومحله إن لم يكن معتكفا ولم يخف بتأخيره للبيت فوت وقت أو تهاونا وفي غير الضحى وركعتي الطواف والإحرام بميقات به مسجد ونافلة المبكر للجمعة.

(قوله ومحله) أي محل كون النفل في البيت أفضل (قوله إن لم يكن معتكفا) أي ولا ماكثا بعد الصلاة لتعلم أو تعليم ولو ذهب إلى بيته لفاته ذلك نهاية (قوله فوت وقت) عبارة المغني فوت الراتبة لضيق وقت أو بعد منزله اهـ.

 

4- قال في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 394):

(وأفضله) أي: الانتقال للنفل من موضع صلاته (إلى بيته) لقوله - صلى الله عليه وسلم - «صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» رواه الشيخان، وسواء في هذا المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى وغيرها لعموم الحديث، والحكمة فيه بعده من الرياء، ولا يلزم من كثرة الثواب التفضيل، وفي صحيح مسلم «إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله جاعل من صلاته خيرا» والمراد صلاة النافلة، وروي «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا» وروي «مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت» واستثني من ذلك النافلة يوم الجمعة لفضيلة البكور، وركعتا الطواف، وركعتا الإحرام إذا كان في الميقات مسجد، أو خاف فوت الراتبة لضيق وقت، أو بعد منزله، أو خاف التهاون بتأخيرها، أو كان معتكفا وقال القاضي أبو الطيب: إذا أخفى نافلته في المسجد كان أفضل من البيت، وظاهر كلام الأصحاب أنه لا فرق بين الليل والنهار ولا بين أن يكون المسجد مهجورا أو لا.

 

فمذهب الشافعية بأن صلاة النفل التي لا تسن فيه جماعة تكون في البيت أفضل.

 

 

رابعاً مذهب الحنابلة:

 

1- قال في المغني لابن قدامة (2/ 94):

ويستحب فعل السنن في البيت؛ لما ذكرنا من حديث ابن عمر: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتي الفجر والمغرب والعشاء في بيته».

 

2- قال في عمدة الفقه (ص: 27):

وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الفجر حدثتني حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين وهما آكدها ويستحب تخفيفهما وفعلهما في البيت أفضل وكذلك ركعتا المغرب.

 

3- قال في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 177):

فائدة: فعل الرواتب في البيت أفضل، على الصحيح من المذهب، وعنه الفجر والمغرب فقط جزم به في العمدة وقدمه في الفائق، وقال في المغني: الفجر والمغرب والعشاء، وعنه التسوية، وعنه لا تسقط سنة المغرب بصلاتها في المسجد.

 

4- قال في دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (1/ 244):

(وفعل) السنن (الكل) الرواتب والوتر وغيرها (ببيت أفضل) من فعلها بالمسجد لحديث «عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» " رواه مسلم لكن ما شرع له الجماعة مستثنى أيضا وكذا ينبغي أن يستثنى نفل المعتكف.

 

5- قال في كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 422):

(وفعلها) أي الرواتب بل السنن كلها سوى ما تشرع له الجماعة (في البيت أفضل) لحديث ابن عمر... ولأنه أبعد من الرياء.

 

فمذهب الحنابلة بأن صلاة النفل التي لا تسن لها جماعة يكون في البيت أفضل على المعتمد، ورواية صحيحة أن سنة الفجر والمغرب تصلى في البيت، ورواية صحيحة بأنه لا فرق بين المسجد والبيت والتسوية بينهما، ورواية صحيحة بأن سنة المغرب لا تجزئ إلا في البيت.

 

  • الخلاصة:

الأفضل في صلاة النافلة في البيت وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.

الأفضل في صلاة النافلة في المسجد باستثناء المغرب والجمعة وهو مذهب المالكية.

ورواية عند الحنابلة بأن سنة المغرب والفجر في البيت أفضل، ورواية بأن لا فرق بن المسجد والبيت، ورواية عند الحنابلة بالتسوية بين المسجد والبيت ورواية بأن سنة المغرب لا تجزئ إلا في البيت فق.

 

  • الأدلة:

 

  • أدلة صلاة جميع النوافل في البيت:
  • عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا» صحيح البخاري (1/ 94)

 

  • عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال: حسبت أنه قال من حصير - في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: «قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» صحيح البخاري (1/ 147).

 

  • عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده، فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا» صحيح مسلم (1/ 539).

 

  • عن زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة» سنن أبي داود (1/ 274).

 

وجه الدلالة في الأحاديث السابقة:

الحث على أداء النوافل في البيت.

 

  • أدلة صلاة سنة الفجر والمغرب والعشاء في البيت:
  • عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتي الفجر والمغرب والعشاء في بيته.

 ذكره في المغني ولم أجده في كتب الحديث بهذا النص.

 

2- روى سعد بن إسحاق، عن أبيه، عن جده، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاهم في مسجد بني عبد الأشهل، فصلى المغرب، فرآهم يتطوعون بعدها. فقال: هذه صلاة البيوت». رواه أبو داود.

 

3- عن محمود بن لبيد، أخي بني عبد الأشهل، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا المغرب في مسجدنا فلما سلم منها قال: " اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم " للسبحة بعد المغرب مسند أحمد (39/ 35).

 

4- عن ابن عمر، قال: أخبرتني حفصة، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين إذا بدا الفجر " مسند أحمد (44/ 30)

 

وجه الدلالة في الأحاديث السابقة:

التأكيد على أداء سنة الفجر والمغرب والعشاء في البيت.

 

  • الترجيح:

ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر، فكل من ينتمي إلى اقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بإقليم معين، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك.

 

 

والله أعلم

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم