تنبيه الأنام في حكم لعق الطعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الدين الإسلامي شامل لجميع الأمور الدينية والدنيوية ومنها أمور الطعام الذي يتناوله الانسان، وكذلك عدم الاسراف في المأكل والمشرب ونحوه، ومن هذه المسائل التي اعتنى بها الشرع هي مسألة لعق الطعام سواء كان من الأصابع أن من القصعة وهي الصحن الذي يوضع فيه الطعام.
ونحن في هذا المبحث اللطيف نعرض هذه المسألة بصورة مختصرة متنقلين فيها بين المذاهب الفقهية الأربعة.
- أقوال المذاهب الفقهية الأربعة:
أولا مذهب الحنفية:
1- قال في المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 352):
ومن السنة أن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل، وتركه من أمر العجم والجبابرة، ومن السنة أيضاً لعق القصعة، جاء في الحديث أن النبي عليه السلام أمر بلعق الصفحة.
2- قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (8/ 209):
ومن السنة لحس القصعة وأن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل، وتركه من أثر العجم والجبابرة وفي الخلاصة ومن السنة لعق القصعة.
فمذهب الحنفية:
يسن لعق الأصابع بعد الفراغ من الطعام مباشرة وكذلك يسن لعق القصعة.
ثانيا مذهب المالكية:
1- قال في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 316):
ومن الآداب اللاحقة ما أشار إليه بقوله: (وحسن) .... (أن تلعق) أي تلحس (يدك قبل مسحها) لما في الحديث: «إذا أكل أحدكم طعامه فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها» زاد الترمذي: «فإنه لا يدري البركة في أول طعامه أو آخره» ولما ورد أيضا من «أن من لعق القصعة من الطعام وغسلها وشرب ذلك عوفي من نفسه من الجنون والجذام والبرص هو وولده» ونحو هذا، ..... في مسلم: «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل بثلاثة أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها».
2- قال في حاشية الصاوي على الشرح الصغير = بلغة السالك لأقرب المسالك (4/ 751):
قوله: [اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه كان يلعق أصابعه قبل الغسل وفيه مراعاة النعمة وهضم النفس ثم بعد لعقها إن لم يكن في الطعام دسم فلا يطالب بغسلها بل يمسحها بعضها ببعض أو في منديل وإن كان فيه غمر فيندب غسلها]:
أي قولا وفعلا ففي الحديث: «إذا أكل أحدكم طعامه فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها»، زاد الترمذي: «فإنه لا يدري البركة في أول طعامه أو آخره» وورد أيضا: «أن من لعق الأصابع من الطعام وشرب غسالتها عوفي في نفسه من الجنون والجذام والبرص هو وولده» وورد أيضا: «من التقط فتاتا من الأرض وأكلها كان كمن أعتق رقبة» وورد: «إنه مهر الحور العين وأن من داوم على ذلك لم يزل في سعة».
فمذهب المالكية:
يسن لعق الأصابع بعد الفراغ من الطعام مباشرة وكذلك يسن لعق القصعة.
ثالثا مذهب الشافعية:
1- قال في أسنى المطالب في شرح روض الطالب (3/ 228):
(و) يستحب (لعق الإناء والأصابع وأكل ساقط) من اللقم ونحوها إذا (لم يتنجس أو) تنجس (ولم يتعذر تطهيره) وطهر للأخبار الصحيحة في ذلك بخلاف ما إذا تعذر تطهيره.
2- قال في الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (4/ 214):
من آداب الأكل...... وأن يلعق الآكل الأصابع والقصعة.
3- قال في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (7/ 438):
ويسن لعق الإناء والأصابع وأكل ساقط لم يتنجس أو تنجس ولم يتعذر تطهيره وطهر
فمذهب الشافعية:
يسن لعق الأصابع بعد الفراغ من الطعام مباشرة وكذلك يسن لعق القصعة.
رابعا مذهب الحنابلة:
1- قال في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (5/ 244):
(و) سن (لعق أصابعه قبل الغسل والمسح، أو يلعقها غيره)؛ لحديث كعب بن مالك: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يديه حتى يلعقها».
2- قال في المغني لابن قدامة (7/ 290):
ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها.
3- قال في الشرح الكبير على متن المقنع (8/ 123):
ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها لما روينا وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها " رواه أبو داود وعن نبيشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة " رواه الترمذي.
4- قال في الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات (3/ 409):
ويسن أكله بثلاث أصابع ولا يمسح يديه حتى يلعقها.
فمذهب الحنابلة:
يسن لعق الأصابع بعد الفراغ من الطعام مباشرة وكذلك يسن لعق القصعة.
1- لما في الحديث: «إذا أكل أحدكم طعامه فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها» زاد الترمذي: «فإنه لا يدري البركة في أول طعامه أو آخره».
2- في مسلم: «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل بثلاثة أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها»
3- وعن نبيشة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة " رواه الترمذي.
وجه الدلالة:
جميع الأحاديث تدل على سنية لعق الأصابع بعد الفراغ من الطعام مباشرة وكذلك سنية لعق القصعة (صحن الطعام).
فائدة:
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 462):
يبدأ في لعق أصابعه من الخنصر ثم الإبهام ثم البنصر ثم السبابة ثم الوسطى.
الخلاصة:
المذاهب الأربعة على سنية لعق الأصابع بعد الفراغ من الطعام ولعق القصعة.
ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك.
والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا