الجهر في حكم الصداق والمهر

 

  • المقدمة:

الحمد الله القائل (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) سورة النساء4.

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم القائل (خير الصداق أيسره) رواه الحاكم والبيهقي.

 

فمن الأسئلة الشائعة عند الناس اليوم أحكام النكاح وشروطه ومنها المهر أو الصداق،

هل هو واجب على الرجل؟

 وهل لا يتم النكاح إلا به؟

 وهل ممكن يسقط ذكره عند عقد النكاح وما إلى ذلك؟

 ونحن في هذا المبحث اللطيف نتكلم عن حكم الصداق، وحكم عقد النكاح إذ لم يذكر فيه الصداق، متنقلين بين أقوال المذاهب الأربعة وبالله التوفيق.

 

  • تعريفات:

قال في فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين (ص: 485):

وهو ما وجب بنكاح أو وطء وسمي بذلك لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجابه ويقال له أيضا مهر وقيل الصداق ما وجب بتسميته في العقد والمهر ما وجب بغير ذلك.

قال في النجم الوهاج في شرح المنهاج (7/ 295):

هو المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء، سمي صداقًا لإشعاره بصدق رغبة باذله.

 ويجوز فتح صاده وكسرها، ويقال: صدقة بفتح الصاد وضم الدال، وبضم الصاد وإسكان الدال، ولفظه مأخوذ من الصَّدق بالفتح، وهو الشديد الصلب، فكأنه أشد الأعواض ثبوتًا من حيث إنه لا يسقط بالتراضي.

وله عشرة أسماء نطق الكتاب العزيز بستة منها: الصداق والنحلة والفريضة والأجر والطول والنكاح.

وقال في المغني أنه له تسعة أسماء وهي : للصداق تسعة أسماء؛ الصداق، والصدقة، والمهر، والنحلة، والفريضة، والأجر، والعلائق، والعقر، والحباء.

 

  • أقوال المذاهب الأربعة:

 

أولا مذهب الحنفية:

1- قال في المبسوط للسرخسي (5/ 62):

وعقد النكاح بغير تسمية المهر جائز، ولها مهر مثلها من نسائها لا وكس ولا شطط ....  .

 

2-   قال في المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 84):

وإذا تزوجها على أن لا مهر لها صح النكاح ووجب لها مهر المثل.

 

3- قال في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 136)

قال - رحمه الله - (صح النكاح بلا ذكره) أي بلا ذكر المهر، وكذا مع نفيه.

 

4- قال في العناية شرح الهداية (3/ 324):

قال (وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا) للمفوضة والتي شرط في نكاحها أن لا مهر لها مهر المثل إذا دخل بها أو مات عنها، وكذا إذا ماتت.

 

5- قال في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 346):

(وإن سكت عنه) أي المهر (أو نفاه) بأن عقد على أن لا مهر لها (لزم مهر المثل بالدخول، أو الموت) إذا لم يتراضيا على شيء ما يصلح مهرا وإلا فذلك الشيء هو الواجب؛ لأن وجوب المهر ثبت بالشرع ولا يتوقف على التسمية.

 

فمذهب الحنفية هو صحة عقد النكاح بلا ذكر المهر أو الصداق، ولكنه يبقى حق للمرأة في ذمة الرجل، وهو مهر النساء اللاتي مثلها من قريباتها.

 

 

ثانيا مذهب المالكية:

1- قال في المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: 750):

لا يجوز نكاح بغير صداق، لقوله عَزَّ وجَلَّ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}، وقوله: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}، وقال صلى الله عليه وسلم للذي خطب المرأة: "هل معك ما تستحلها به".

 

2- قال في الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 550):

لم تحل الموهوبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، قال الله عز وجل: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الأحزاب، فلا يحل لأحد بعده نكاح يشرط فيه أن لا صداق ولا بد لغيره من صداق قل أو كثر.

 

3- قال في مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل في شرح المدونة وحل مشكلاتها (3/ 452)

ولا خلاف بين الأمة في أن الصداق شرط من شروط صحة النكاح، وأنه لا يجوز التراضي على تركه.

 

4- قال في المقدمات الممهدات (1/ 478):

تسمية الصداق فليس من شروط صحة عقد النكاح؛ لأن الله أباح نكاح التفويض، وهو النكاح بغير تسمية صداق فقال تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] ، وإنما تجب تسمية الصداق عند الدخول. فلا اختلاف بين أهل العلم فيما علمت أن نكاح التفويض جائز.

 

5- قال في جامع الأمهات (ص: 279):

ونكاح التفويض جائز وهو إخلاء العقد من تسمية المهر فإن صرح بإسقاطه فسد

 

فمذهب المالكية هو عدم صحة عقد النكاح بسقوط المهر أو الصداق، ولكن إذا لم يذكر المهر أو الصداق فجائز بشرط أن يفرض قبل الدخول على الزوجة وهو ما يسمى بنكاح التفويض، واها مهر المثل إن لم يفرض قبل الدخول وقد دخل بها.

 

 

ثالثا مذهب الشافعية:

1- قال في منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه (ص: 218):

كتاب الصداق: يسن تسميته في العقد ويجوز إخلاؤه منه.

 

2- قال في عمدة السالك وعدة الناسك (ص: 207):

كتاب الصداق: يسن تسميته في العقد، فإن لم يذكر لم يضر.

 

3- قال في النجم الوهاج في شرح المنهاج (7/ 296):

قال: (تسن تسميته في العقد) وإن لم يجب كنكاح عبده بأمته؛ ..... قال: (ويجوز إخلاؤه منه)؛ لقوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}.

وفي (سنن أبي داوود) و (الحاكم) و (ابن حبان) عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير النكاح أيسره) وقال لرجل: (أترضى أن أزوجك فلانة؟) قال: نعم، فقال لها: (أترضين أن أزوجك فلانًا؟) قالت: نعم، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرض صداقًا، فدخل بها فلم يعطها شيئًا، فلما حضرته الوفاة .. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم أعطها شيئًا، وقد أعطيتها سهمي بخيبر، وكان له سهم فيها، فأخذته فباعته بمئة ألف.

 

4- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: 367):

ويستحب تسمية المهر في النكاح فإن لم يسم صح العقد ووجب مهر المثل.

 

5- قال في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (7/ 376):

 (ويجوز إخلاؤه منه) أي من تسميته إجماعا لكنه يكره.

 

فمذهب الشافعية هو صحة عقد النكاح بلا ذكر المهر أو الصداق، ولكنه يبقى حق للمرأة في ذمة الرجل، وهو مهر النساء اللاتي مثلها من قريباتها.

 

 

رابعا مذهب الحنابلة:

1- قال في المغني لابن قدامة (7/ 209):

ويستحب ألا يعرى النكاح عن تسمية الصداق.

 

2- قال في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (8/ 227):

قوله (ويستحب أن لا يعرى النكاح عن تسميته) الصحيح من المذهب: أن تسمية الصداق في العقد مستحبة.

 

3- قال في شرح منتهى الإرادات = دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (3/ 5):

 (وتستحب تسميته) أي: الصداق (فيه) أي: النكاح.

 

4- قال في كشاف القناع عن متن الإقناع (5/ 129):

(و) تسن (تسميته في العقد) .... (ويكره ترك التسمية فيه قاله في التبصرة) لأنه قد يؤدي إلى التنازع في فرضه.

 

5- المبدع في شرح المقنع (6/ 224):

(فإن دخل بها استقر مهر المثل)؛ لأن الدخول يوجب استقرار المسمى، فكذا مهر المثل.

 

فمذهب الحنابلة هو صحة عقد النكاح بلا ذكر المهر أو الصداق ولكنه يبقى حق للمرأة في ذمة الرجل وهو مهر النساء اللاتي مثلها من قريباتها.

 

 

  • الخلاصة:

عقد النكاح يصح بدون ذكر المهر أو الصداق على المذاهب الأربعة ويثبت للمرأة حق المثل وهو مهر النساء اللاتي مثلها من قريباتها.

 

  • الأدلة:

 

أولاً - جواز عدم ذكر المهر أو الصداق في عقد النكاح:

1- قوله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} سورة البقرة 236.

 

وجه الدلالة:

قال في الاستذكار (5/ 467):

يريد ما لم تمسوهن وما لم تفرضوا لهن فريضة فلما أوقع الطلاق دل على صحة النكاح دون تسمية صداق لأن الطلاق غير واقع إلا على الزوجات وكونهن زوجات دليل على صحة النكاح بغير تسمية صداق والله أعلم

 

مناقشة الدليل:

أن الآية في نكاح التفويض.

                                                      

2-  عن عقبة بن عامر رضى الله عنه: " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم , وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلانا؟ قالت: نعم ، فزوج أحدهما صاحبه ولم يفرض لها صداقا ، ولم يعطها شيئا ، وكان ممن شهد الحديبية ، وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر ، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجنى فلانة ، ولم أفرض لها صداقا ، ولم أعطها شيئا ، وإنى أشهدكم أن أعطيتها صداقا سهمى بخيبر ، فأخذت سهما فباعته بمائة ألف ، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الصداق أيسره ".

وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبى.

 

وجه الدلالة:

تزويج النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي بدون مهر.

 

مناقشة الدليل:

هو دليل على صحة نكاح التفويض.

 

3- قول ابن مسعود، وقد سئل عن امرأة تزوجت برجل لم يفرض لها صداقا، ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها، لا وكس، ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث فقام معقل بن سنان، فقال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بروع بنت واشق - امرأة منا بمثل ما قضيت به» رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وحسنه جماعة.

 

وجه الدلالة:

صحة عقد النكاح بدون ذكر المهر ويثبت لها مهر المثل.

 

مناقشة الدليل:

يدل على صحة نكاح التفويض.

 

ثانياً - أدلة وجوب ذكر المهر أو الصداق في عقد النكاح:

 

1- قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} سورة النساء 24.

 

وجه الدلالة:

ذكر المال في النكاح والمقصود فيه المهر.

 

مناقشة الدليل:

أن هذا من باب الاستحباب للآية " أو تفرضوا لهن فريضة" فصرفها للاستحباب.

 

1- قال الله تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} سورة النساء 4

 

وجه الدلالة:

والنحلة الهبة وسمي نحلة لأن المرأة تستمتع بالزوج مثل استمتاعه بل هي أكثر فكأنها تأخذ الصداق من غير مقابلة شيء.

 

مناقشة الدليل:

أن المهر يبقى في الذمة ولا يعفى أنه وليس فيه دليل على عدم صحة عقد النكاح.

 

4- عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مهيم» فقال: يا رسول الله [ص:236]، تزوجت امرأة، قال: «ما أصدقتها؟» قال: وزن نواة من ذهب، قال: «أولم ولو بشاة» سنن أبي داود (2/ 235)

 

وجه الدلالة:

سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن صداق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لزوجته.

 

مناقشة الدليل:

ليس فيه دليل على اشتراط المهر في عقد النكاح إنما هو سؤال فقط.

 

5- وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل».

 

وجه الدلالة:

في الحديث عدم صحة النكاح بدون مهر.

 

مناقشة الدليل:

الحديث مرسل ومنقطع كما ذكره الامام الشافعي.

 

 

  • الترجيح:

ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين ، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك .

 

 

والله أعلم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم