إيضاح النص في حكم النمص
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تسعى المرأة للجمال، وذلك السعي لأمرين:
أحدهما:
ذكر الشرع أنها ممن مميزات المرأة المطلوبة عند الرجال وقت البحث عن اللزوجة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " تنكح المرأة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» متفق عليه.
فذلك أن الجمال من الأمور التي تنكح المرأة لأجلها.
وثانيهما:
جِبلة وطبيعة المرأة فتجعلها تبحث عن ذلك الجمال، وهذا مشاهد عندما نرى النساء من جميع الأديان والأعراق يسعين وراء الجمال لا من دين ولا من عرق يحثها على ذلك بل من طبيعة فيها.
ومما يقلل من جمالها كثرة شعر الوجه عند المرأة، لأنه ينفر زوجها عنها إذا فحش.
فنبحث في هذه المسألة حكم النمص وهو نتف شعر الوجه ومنه شعر الحاجبين، هل هو جائز أم لا؟
" وكما هو معروف فإننا نذكر أقوال المذاهب الأربعة المعتمدة".
وسميت بحث هذه المسألة المختصر ب "إيضاح النص في حكم النمص ".
وعرضنا لهذه المسألة يكون من خمسة جوانب، وهي:
أولاً: حقيقته.
ثانياً: جمع الأقوال في المسألة.
ثالثاً: عزو الأقوال لأصحابها.
رابعاً: ذكر حجج كل قول.
خامساً: تنابيه.
حقيقة النمص:
تعريفه لغة:
والنمص: نتف الشعر. ونتف الشعر وينمصه نمصاً: نتفه. "لسان العرب في باب النون ".
وقال في القاموس المحيط في فصل الهمزة: النمص: نتف الشعر.
شرعاً:
قال في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لمحمد الشربيني الخطيب (1/191) مطبعة مصطفى البابي: النمص: التنميص هو الأخذ من شعر الوجه أو الحاجب للحسن. أ هــ.
فأخذ شعر الوجه والحاجب يعتبر نمصاً كما في التعريف الشرعي.
الأقوال في المسألة:
وتدور أقوال المسألة على قولين رئيسين وهما:
القول الأول: التحريم مطلقاً.
القول الثاني: الجواز للزوج فقط.
عزو الأقوال لأصحابها:
القول الأول: التحريم مطلقا، هو مذهب الحنابلة.
فقد قال البهوتي في كشاف القناع (1/75) طبعة عالم الكتب:
(ويحرم نمص) وهو نتف الشعر من الوجه.
دليل السادة الحنابلة وحجتهم هو حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله ". أخرجه البخاري في كتاب اللباس باب المتنمصات (7/63)، ومسلم في كتاب اللباس باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد.
القول الثاني: الجواز للتزين للزوج أو إذا سمح لها الزوج بذلك فقط، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ووجه عند الحنابلة.
قول الحنفية:
قال في حاشية ابن عابدين الجزء السادس في (ص/373) مطبعة مصطفى البابي الحلبي:
ولعله محمول " أي التحريم" على إذا ما فعلته للتزين للأجانب وإلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها عنها بسببه ففي تحريم إزالته بُعد، لأن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين.
وقال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين العابدين ابن نجيم الحنفي (8/233) مطبعة دار المعرفة:
عندما تكلم عن النمص " ويجوز للمرأة أن تلقي الأذى عن وجهها".
قول المالكية:
قال في التاج والإكليل لمختصر خليل في باب أحكام الطهارة وما يناسبها في الجزء الأول:
وقال عياض: رُوي عن عائشة رخصة في جواز النمص وحف المرأة جبينها لزوجها وقالت: أميطي عنك الأذى.
قول الشافعية:
قال في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لمحمد الشربيني الخطيب (1/191) مطبعة مصطفى البابي:
النمص: التنميص هو الأخذ من شعر الوجه أو الحاجب للحسن لما في ذلك في التعزير، أما إذا أذن لها الزوج أو السيد في ذلك فإنه يجوز لأن له غرض في تزينها له وقد أذن لها فيه.
وقال في شرح روض الطالب من أسنى المطالب للإمام أبي يحيى زكريا الأنصاري في (1/173) وطبعة المكتبة الإسلامية:
قال (ويحرم) على المرأة (التنميص) فعلاً وسؤال للخبر الصحيح السابق " "لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة والنامصة والمتنمصة”. إلا بإذن زوج أو سيد (وهو الأخذ من شعر الوجه أو الحاجب) للحُسن.
وجه عند الحنابلة:
قال ابن النجار في معونة أولي النهى الجزء الأول صفحة 250 طبعة دار خضر:
وفي الغنيه وجه: أنه يجوز بطلب الزوج.
قال في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (1/ 126):
وأباح ابن الجوزي النمص وحده. وحمل النهي على التدليس، أو أنه شعار الفاجرات، وفي الغنية وجه يجوز النمص بطلب الزوج. ولها حلقه وحفه نص عليهما، وتحسينه بتحمير ونحوه.
رابع هذه الجوانب:
ذكر حجج كل قول:
أولاً:
حجة القائلين بالتحريم مطلقاً وهم الحنابلة في آخرين:
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله ".
ثانياً:
حجة القائلين بجوازه بشرط أن يكون للتزين للزوج أو إذن الزوج بذلك، وهم الأحناف والمالكية والشافعية ووجه عند الحنابلة:
أن امرأة سألت السيدة عائشة فقالت: يا أمّ المؤمنين إنّ في وجهي شعرات أفأنتفهنّ، أتزيّن بذلك لزوجي؟ فقالت عائشة: أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزّيارة، وإن أمرك فأطيعيه، وإن أقسم عليك فأبرّيه، ولا تأذني في بيته لمن يكره.
وكذلك أن زينة المرأة لزوجها مطلوبة.
خامس هذه الجوانب:
التنابيه:
أولاً: قول الله تعالى (ولأمرنهم فليغرن خلق الله).
الصحيح من أقوال المفسرين أنها محمولة على تغير دين الله كما ذكره ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى.
الثاني: أن النمص يشمل جميع شعر الوجه ليس فقط شعر الحاجبين.
الثالث: حلق شعر الحاجب كاملاً أو حفه: فجائز لأنه ليس نمصاً أي ليس نتفاً، وقال المرداوي في الإنصاف (1/99) مطبعة دار إحياء التراث العربي: عندما ذكر النمص للحاجبين قال ((ولها حلقه وحفه نص عليهما)) أي نص على جواز حلق شعر الحاجب أو حفه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.
ولا شك أن الجمال للزوج مطلب مهم، وأن الشرع يحث عليه وخاصة إن كان في المرأة ما ينفر الزوج عنها، فالقول بالجواز بإذن الزوج قوي، وظاهر الدليل يدل على التحريم. والله أعلم.
ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك.
والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا