الإلمام في إعادة الجماعة بعد جماعة الإمام

 

الحمد لله والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم

  • مقدمة:

كثيرا ما تفوت صلاة الجماعة بعض المأمومين سواء بعذر أم بدون عذر، فإذا دخل من فاتته الجماعة مع الإمام فهل يحق له إعادة الجماعة مع من فاتته الصلاة كذلك أم يصلون فرادى؟

في هذا المبحث اللطيف نتحدث باختصار عن هذه المسألة على وفق المذاهب الأربعة المتبوعة.

 

  • المذاهب الفقهية الأربعة:

 

أولا مذهب الحنفية:

1- قال السرخسي في المبسوط (1/ 135)

قال (وإذا دخل القوم مسجدا قد صلى فيه أهله كرهت لهم أن يصلوا جماعة بأذان وإقامة ولكنهم يصلون وحدانا بغير أذان ولا إقامة)

لحديث الحسن قال كانت الصحابة إذا فاتتهم الجماعة فمنهم من اتبع الجماعات ومنهم من صلى في مسجده بغير أذان ولا إقامة ....   .

 

2- قال الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (8/ 518)

قال أبو جعفر: (ويكره أن تعاد الجماعة في مسجد قد صلى فيه إمامه، إذا كان ذلك المسجد من المساجد التي يؤذن فيها، ويقام، وتجمع فيها الصلوات، ولا بأس به في المساجد التي لا يؤذن فيها، ولا يقام، ولا تجمع فيها الصلوات).

 

3- قال ابن نجيم المصري في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/ 273)

 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ليصلح بين الأنصار فاستخلف عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - فرجع بعدما صلى فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته وجمع أهله فصلى بهم بأذان وإقامة، فلو كان يجوز إعادة الجماعة في المسجد لما ترك الصلاة فيه والصلاة فيه أفضل. اهـ.

 

4- قال السرخسي في المبسوط (1/ 136)

فأما إذا صلى فيه أهلها أو أكثر أهلها فليس لغيرهم حق الإعادة إلا في رواية عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قال إن وقف ثلاثة أو أربعة ممن فاتتهم الجماعة في زاوية غير الموضع المعهود للإمام فصلوا بأذان فلا بأس به وهو حسن.

 

فمذهب الحنفية في حكم تكرار صلاة الجماعة في المسجد الذي له امام راتب بعد انتهاء جماعة الإمام الراتب هو الكراهة.

 

 

ثانيا مذهب المالكية:

1- قال ميارة في الدر الثمين والمورد المعين (ص: 379)

وأما إعادة الجماعة بعد الامام الراتب فقال ابن الحاجب ولا تجمع صلاة في مسجد لكل إمام راتب مرتين قال في المدونة إلا أن يكون مسجداً ليس له إمام راتب فلكل من جاء أن يجمع فيه اهـ

فيه هو النهي للكراهة قال في الرسالة ويكره في كل مسجد إمام راتب أن يجمع فيه الصلاة مرتين ...   .

 

2- قال البغدادي في المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: 258)

وتُكره إعادة الجماعة في المساجد التي لها أئمة مرتبون ....  .

 

فمذهب المالكية في حكم تكرار صلاة الجماعة في المسجد الذي له امام راتب بعد انتهاء جماعة الإمام الراتب هو الكراهة.

 

 

ثالثا مذهب الشافعية:

1- قال النووي في المجموع شرح المهذب (4/ 222)

فقال أصحابنا إن كان للمسجد إمام راتب وليس هو مطروقا كره لغيره اقامة الجماعة فيه ابتداء قبل فوات مجئ إمامه ولو صلى الإمام كره أيضا إقامة جماعة أخرى فيه بغير إذنه هذا هو الصحيح المشهور.

1- قال الشاشي في حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء (2/ 160)

فإن حضر والإمام قد فرغ من الصلاة فإن كان المسجد في غير ممر الناس كره أن يستأنف فيه جماعة ... .

 

فمذهب الشافعية في حكم تكرار صلاة الجماعة في المسجد الذي له امام راتب بعد انتهاء جماعة الإمام الراتب هو الكراهة إلا إذا كان المسجد ممراً للناس كمسجد الطريق أو مسجد السوق فيجوز.

 

 

 

رابعا مذهب الحنابلة:

1- قال ابن قدامة في المغني (2/ 133)

فصل: ولا يكره إعادة الجماعة في المسجد، ومعناه أنه إذا صلى إمام الحي، وحضر جماعة أخرى، استحب لهم أن يصلوا جماعة ...  .

 

2-  قال المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (2/ 219)

قوله (ولا تكره إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة) معنى إعادة الجماعة: أنه إذا صلى الإمام الراتب، ثم حضر جماعة لم يصلوا، فإنه يستحب لهم أن يصلوا جماعة، وهذا المذهب، يعني أنها لا تكره، وعليه جماهير الأصحاب ..  .

 

فمذهب الحنابلة في حكم تكرار صلاة الجماعة في المسجد الذي له امام راتب بعد انتهاء جماعة الإمام الراتب هو الاستحباب.

 

 

  • أدلة المسألة:

أدلة القائلين بالكراهة:

1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ليصلح بين الأنصار فاستخلف عبد الرحمن بن عوف فرجع بعد ما صلى فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته وجمع أهله فصلى بهم بأذان وإقامة.

  وجه الدلالة:

فلو كان يجوز إعادة الجماعة في المسجد لما ترك الصلاة في المسجد والصلاة فيه أفضل.

 

مناقشة الدليل :

يدل الحديث على عدم وجوب الصلاة في المسجد بل هو مستحب، وليس في كراهة إعادة الجماعة في المسجد لوجود أدلة باستحبابها.

 

2- عن أنس رضي الله عنه قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة في المسجد، صلوا في المسجد فرادى.

 

وجه الدلالة:

عدم صلاتهم جماعة أخرى يدل على كراهة إعادتها.

 

مناقشة الدليل:

هذا فعل الصحابة ويعارضه أدلة على استحباب إعادة الجماعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

 

3- لأن التكرار يؤدي إلى تقليل الجماعة، لأن الناس إذا علموا: أنهم تفوتهم الجماعة يتعجلون، فتكثر الجماعة.

 

4- لو جازت إعادة الجماعة، لما احتيج إلى إمام راتب لإقامة الصلوات، ولكان لكل طائفة أن تجيء، فتؤذن وتقيم، وفي هذا دليل على أنها لا تعاد.

 

5- لأن ذلك يؤدي إلى تشتيت الكلمة، ووقوع العداوة، وانفرادهم بالصلاة.

 

وجه الدلالة:

جميع هذه الأدلة تدل على كراهة إعادة الجماعة.

 

مناقشة الدليل:

كلها دلالات عقلية لا تقوى على مواجهة دليل الاستحباب.

 

 

أدلة القائلين بالاستحباب:

1-      قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة. وفي رواية: بسبع وعشرين درجة».

 

وجه الدلالة:

النص عام على أفضلية صلاة الجماعة وأجرها ولا تترك لدليل عقلي أو دليل غير صريح الدلالة.

 

مناقشة الدليل:

الدليل في حق صلاة الجماعة مع الامام الراتب أو مسجد ليس له امام وهو عام وخارج محل النزاع.

2-      وروى أبو سعيد قال: «جاء رجل، وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أيكم يتجر على هذا؟ فقام رجل، فصلى معه» قال الترمذي: هذا حديث حسن. ورواه الأثرم وأبو داود، وفي رواية " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ". وروى الأثرم، بإسناده عن أبي أمامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، وزاد: قال فلما صليا، قال: " وهذان جماعة ".

 

 

وجه الدلالة:

الدليل واضح على توجيه النبي صلى الله عليه وسلم بمن يتصدق على من فاتته الجماعة بأن يعيد صلاة الجماعة معه.

 

مناقشة الدليل:

أن المقصود في الحديث اذا كانت الجماعة الثانية قليلة فلا بأس بإعادتها وكذلك يعارضه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

  • الخلاصة:
  • الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية على كراهة إعادة صلاة الجماعة بعد جماعة الإمام الراتب، وأما الحنابلة فعندهم الاستحباب في إعادة الجماعة بعد جماعة الإمام الراتب.
  • يستثنى من الكراهة مساجد الطرق والمساجد التي لا يوجد لها امام راتب.
  • واستثنى بعض من قال بالكراهة الجماعات البسيطة بعد جماعة الإمام.

 

  • الترجيح:

ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين ، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك .

 

 

 

 

والله أعلم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا