الأقوال والردود في حكم النكاح بغير شهود

 

  • مقدمة:

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم    أما بعد:

فمن المسائل التي تم طرحها في هذه الأيام مسألة حكم النكاح بغير شهود، وخاصة بعد وجود مأذوني عقود الأنكحة بصفة رسمية وتسجيل عقد النكاح في محاكم الأحوال الشخصية ، وأن العلة في الشهود هي توثيق عقد النكاح لحفظ النسب والميراث وعدم الخوض في الأعراض.

فهل يجب الإشهاد في عقود الأنكحة في هذا الزمن الذي يتم التوثيق فيه بصفة رسمية ومتابعة من الحكومات في كل بلد؟

وسنعرض في هذا المبحث المسائل متنقلين بين أقوال المذاهب الأربعة بما يتيسر بحثه وذكره.

 

  • أقوال المذاهب الأربعة:

 

أولاً مذهب الحنفية:

 

1-  قال في النتف في الفتاوى للسغدي :

النكاح الفاسد فهو على ثمانية اوجه...... والثالث اذا كان بغير شهود.

 

2-  قال في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي:

وأراد بالنكاح الفاسد تزوج الأختين معا، والنكاح بغير شهود ...  .

 

فمذهب الحنفية في حكم النكاح بدون شهود هو البطلان.

 

 

ثانياً المذهب المالكي:

 

1-  قال في القوانين الفقهية :

الشهادة على النكاح ولا تجب في العقد وتجب في الدخول وهي شرط كمال في العقد وشرط جواز في الدخول ...  .

 

2-  قال في الإشراف على نكت مسائل الخلاف :

ينعقد النكاح من غير إشهاد، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي؛ لقوله تعالى: "وأوفوا بالعقود"، ولأنه عقد من العقود فلم يكن الإشهاد شرطاً في انعقاده كسائر العقود، ولأنه معنى يقصد به التوثق فلم يكن شرطاً في انعقاد النكاح كالرهن والكفالة، ولأن كل شخص لا يحتاج إليه في إيجاب ولا قبول، لم يكن حضوره شرطاً في انعقاد النكاح كالزوجة وسائر الأجانب، ......

مسالة: التراضي بكتمان النكاح يبطل العقد، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالغربال ".

 

فمذهب المالكية في حكم النكاح بدون شهود هو أنه يجوز في عقد النكاح عدم وجود الشهود ولكن لا يجوز الدخول على الزوجة بدون الشهود على النكاح.

 

 

ثالثاً مذهب الشافعية:

1- قال في المهذب:

 ولا يصح النكاح إلا بشاهدين.

 

2- قال في نهاية المطلب في دراية المذهب:

لا ينعقد النكاح إلا بحضور شاهدي.

 

3- قال في البيان في مذهب الإمام الشافعي:

ولا يصح النكاح إلا بحضرة شاهدين ذكرين عدلين.

 

فمذهب الشافعية في حكم النكاح بدون شهود هو البطلان.

 

رابعاً مذهب الحنابلة:

1- قال في المغني لابن قدامة:

أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين. هذا المشهور عن أحمد. .... وعن أحمد أنه يصح بغير شهود.

 

2-  قال في الكافي في فقه الإمام أحمد :

الشرط الثاني من شرائط النكاح: أن يحضره شاهدان .... وعن أحمد: أن الشهادة ليست شرطاً فيه.

 

3-  قال في شرح الزركشي على مختصر الخرقي :

وعن أحمد رواية أخرى: ينعقد بدون شهادة، ذكرها أبو بكر في المقنع، وجماعة.

 

4- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي :

قوله (الرابع: الشهادة. فلا ينعقد إلا بشاهدين)؛ احتياطا للنسب، خوف الإنكار. وهذا المذهب. وعليه الأصحاب. وعنه: أن الشهادة ليست من شروط النكاح، ذكرها أبو بكر في المقنع وجماعة. وأطلقهما أكثرهم. وقيد المجد وجماعة من الأصحاب بما إذا لم يكتموه. فمع الكتم تشترط الشهادة. رواية واحدة. وذكره بعضهم إجماعا. وقال الزركشي: وهو والله أعلم من تصرف المجد ولذلك جعله ابن حمدان قولا. انتهى.

.

 

فمذهب الحنابلة في حكم النكاح عدة روايات عن الإمام أحمد فالمشهور عدم صحة النكاح من غير شهود، ورواية صحيحة عن الإمام أحمد بأن الشهادة ليست شرطا في صحة النكاح وينعقد بدونها، وقيد بعض علماء المذهب بأن مع الكتمان يشترط الشهود وبدون كتمان لا يشترط تصرفا منهم للجمع بين الروايتين كما ذكره الزركشي.

 

  • خلاصة الأقوال:

جواز النكاح بغير شهود وهو رواية صحيحة عن الامام أحمد وهي مذهب مالك في وقت العقد ولكن لا يدخل إلا بالشهادة على النكاح أو إعلان النكاح.

وعدم جواز النكاح بغير شهود وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.

 

  • أدلة الأقوال:

القول باشتراط الشهود وبطلان النكاح بدونه:

1- قال عليه الصلاة والسلام - «لا نكاح إلا بشهود».

 

وجه الدلالة:

في الحديث بطلان النكاح بدون شهود.

 

مناقشة الدليل:

قال في نصب الراية: قال عليه السلام: "لا نكاح إلا بشهود"، قلت: غريب بهذا اللفظ.

وقال في الدراية في تخريج أحاديث الهداية: حديث لا نكاح إلا بشهود لم أره بهذا اللفظ.

 

2- عمران بن الحصين: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا نكاح إلا بولي وشاهدين» أخرجه الدارقطني.

 

وجه الدلالة:

في الحديث بطلان النكاح بدون شهود.

 

مناقشة الدليل:

قال محمد المخلص في المخلصيات: هو من طريق بكر بن بكار به. وعبد الله بن محرر متروك.

 

3- وعن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا عند البيهقي بلفظ: «لا نكاح إلا بأربعة: خاطب وولي وشاهدين».

 

وجه الدلالة:

في الحديث بطلان النكاح بدون شهود.

 

مناقشة الدليل:

قال الشوكاني في نيل الاوطار: وفي إسناده المغيرة بن موسى البصري، قال البخاري: منكر الحديث.

 

4- وعن عائشة غير حديث الباب عند الدارقطني بلفظ: «لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدين».

 

وجه الدلالة:

في الحديث بطلان النكاح بدون شهود.

 

مناقشة الدليل:

قال الشوكاني في نيل الاوطار: في إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة، مجهول وروى نحوه البيهقي في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه.

 

5-   عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل " اخرجه البيهقي في السنن الكبرى.

 

وجه الدلالة:

في الحديث بطلان النكاح بدون شهود.

 

مناقشة الدليل:

قال الشافعي رحمه الله: " وهذا وإن كان منقطعا دون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أكثر أهل العلم يقول به". أهـ.

ذكر الامام الشافعي انقطاع الحديث.

 

6- وروى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل».

 

وجه الدلالة:

في الحديث بطلان النكاح بدون شهود.

 

مناقشة الدليل:

قال في السنن الصغير للبيهقي: هذا هو المحفوظ موقوفا.

أي أنه من قول الصحابي وليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 

القول بعدم اشتراط الشهود ويصح النكاح بدونه:

1- واعترض بأنه خبر واحد فلا يجوز تخصيص قوله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3] وغيره من الآيات به.

 

وجه الدلالة:

لم يذكر في الآية الشهود.

 

مناقشة الدليل:

الآية تتكلم عن الحث على النكاح ولم تتطرق إلى الشهادة ونحوها.

 

 

2- قال عليه الصلاة والسلام - «أعلنوا النكاح ولو بالدف».

 

وجه الدلالة:

لم يذكر الشهود في الحديث وأنه يكتفى بإعلان النكاح للناس.

 

مناقشة الدليل:

الحديث لا يتطرق إلى مسألة الشهود بل يتكلم عن اعلان النكاح لكيلا يكون نكاح السر.

 

3- أعتق النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي فتزوجها بغير شهود.

 

 

4-   قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «اشترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جارية بسبعة قروش، فقال الناس: ما ندري أتزوجها رسول الله أم جعلها أم ولد؟ فلما أن أراد أن يركب حجبها، فعلموا أنه تزوجها» متفق عليه.

قال: فاستدلوا على تزويجها بالحجاب.

 

وجه الدلالة في الحديثين:

عدم وجود الشهود في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من صفية رضي الله عنها، ولا يوجد دليل على الخصوصية وخاصة بأن مذهب الامام مالك بعدم اشتراط الشهود وكذلك رواية صحيحة عن الامام أحمد في ذلك.

 

مناقشة الادلة:

هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس عاما للأمة.

 

5-   لأنه عقد معاوضة، أشبه البيع فلا يجب فيه الشهادة..

 

وجه الدلالة:

البيع يصح بدون الشهادة وهو عقد معاوضة، وكذلك النكاح عقد معاوضة ويصح بدون شهادة.

 

مناقشة الدليل:

الأدلة الحديثية أقوى من الدليل العقلي.

 

6-   قال أحمد - في رواية الميموني -: لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشاهدين شيء، وكذا قال ابن المنذر.

 

وجه الدلالة:

قول الامام أحمد وابن المنذر بأن جميع الأحاديث الواردة في اشتراط الشاهدين للنكاح لم تثبت.

 

مناقشة الدليل:

كثرة الأحاديث يعضد بعضها بعضا.

 

7- أن ابن عمر زوج بلا شهود، ويروى ذلك أيضا عن ابن الزبير، والحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ –.

 

وجه الدلالة:

فعل الصحابة رضي الله عنهم في النكاح بلا شهود.

 

مناقشة الدليل:

أنهم أعلنوا النكاح بعد العقد بين الناس.

 

 

  ذكر أسماء بعض من رجح النكاح بغير شهود أو منعه:

 

1-  الذين لم يجوزوه بغير شهود كثير ومنهم:

عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وهو مذهب سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وقتادة و أبو حنيفة والشافعي وأحمد، وابن المسيب، والشعبي.

 

2-  الذين جوزوا النكاح بغير شهود كثير منهم :

وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتي: يجوز بغير شهود وزوج ابن عمر بغير شهود، وكذا فعل الحسن بن علي وابن الزبير عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون وعبد الله بن الحسن وأبو ثور وفعله الحسن بن علي وابن زيد _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وداود، وأهل الظاهر، وعن أحمد أنه يصح بغير شهود. وسالم وحمزة ابنا ابن عمر. وبه قال عبد الله بن إدريس، وابن المنذر

 

3-  الذين جوزوه بغير شهود بشرط الإعلان كثر ومنهم:

الزهري ومالك وأهل المدينة.

 

 

 

  • الترجيح:

ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر ، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين ، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك .

 

 

والله أعلم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم