اعلام البرية في حكم أكل لحوم الحمر الأهلية والوحشية
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فهذا بحث لطيف عن حكم أكل لحوم الحمير الأهلية والوحشية اسميته: اعلام البرية في حكم أكل لحوم الحمر الأهلية والوحشية.
من المسائل التي تم طرحها في الأوساط في هذه الأوقات، حكم أكل لحم الحمير الأهلية إن كانت في البراري ولم تربى عند الإنسان، وخاصة في بعض البلدان الغير مسلمة، وتحرج المسلمين من أكل لحمها إن لم يكن هناك غيره ونحوه وهل هو جائز أم غير جائز.
وإننا نذكر في هذا المبحث اللطيف ما يسره الله سبحانه نقله من كتب المذاهب الفقهية الأربعة ليتضح الحكم والله تعالى أعلم.
- تعريفات:
- قال في مختار الصحاح (ص: 80):
(الحمار) العير والجمع (حمير) و (حمر) كقفل .
- قال في لسان العرب (4/ 212):
وقال الأزهري: الحمار العير الأهلي والوحشي، وجمعه أحمرة وحمر وحمير وحمر وحمور، وحمرات جمع الجمع، كجزرات وطرقات، والأنثى حمارة.
أولا مذهب الحنفية:
- قال في البناية شرح الهداية (11/ 589):
(قال: ولا يجوز أكل الحمر الأهلية والبغال) أي قال القدوري - رضي الله عنه -: قيد بالأهلية لأن في الحمر الوحشية لا خلاف لأحد في إباحتها.
- قال في اللباب في شرح الكتاب (3/ 230):
ولا يجوز أكل لحم الحمر الأهلية والبغال. لورود النهي عنها (والبغال)، لأنها متولدة من الحمر فكانت مثلها. قيد بالأهلية، لأن الوحشية حلال وإن صارت أهلية، وإن نزا أحدهما على الآخر فالحكم للأم كما في النظم.
- قال في الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 352):
قال: "ولا يجوز أكل الحمر الأهلية والبغال " لما روى خالد بن الوليد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمير" وعن على رضي الله عنه: "أن النبي عليه الصلاة والسلام أهدر المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر".
- قال في الاختيار لتعليل المختار (5/ 14):
(ولا تحل الحمر الأهلية ولا البغال ولا الخيل) لقوله - تعالى -: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [النحل: 8] خرجت في معرض الامتنان، فلو جاز أكلها لذكره، لأن نعمة الأكل أعظم من نعمة الركوب.
- قال في العناية شرح الهداية (9/ 501):
ولا تؤكل الحمر الأهلية لما ذكر في الكتاب.
فمذهب الحنفية في حكم أهل لحوم الحمير على التفصيل التالي:
- تحريم أكل لحم الحمير الأهلية.
- وجواز أكل لحم الحمير الوحشية.
- الحمار الوحشي وإن ترك البراري وصار يعيش عند الإنسان فيبقى لحمه حلال ولا يحرم.
- الحمار المتولد من الحمار الأهلي والحمار الوحشي فيرجع حكم اللحم لأمه فإن كانت أمه وحشيه فيجوز أكله وإن كانت أمه أهليه فلا يجوز أكله.
ثانيا مذهب المالكية:
- قال في الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 436):
لا يحل أكل الحمار الأهلي ولا تعمل الذكاة فيه للحمه ولا لجلده ولا بد لمن أراد تطهير جلده من دباغه، ولا يؤكل عند مالك الحمار الوحشي إذا استأنس وعمل عليه وركب لأنه قد صار أهليا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية وهو عند مالك على اصله لا بأس بأكله وكما يؤكل الإنسي لو توحش فكذلك لا يمتنع من أكل الوحشي إذا تأنس.
قلت: أرأيت الحمار الوحشي إذا دجن وصار يعمل عليه كما يعمل على الأهلي؟ قال: قال مالك: إذا صار بهذه المنزلة فلا يؤكل، قال ابن القاسم: وأنا لا أرى بأسا.
- قال في الذخيرة للقرافي (4/ 101):
إذا دجن حمار وحش وصار يحمل عليه لم يؤكل عند مالك نظرا لحاله الآن وأجازه ابن القاسم نظرا لأصله.
- قال في التاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 356):
وقال الباجي: في كراهة أكل الحمر الأهلية وحرمتها روايتان.
5- قال في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 289):
(و) نهى - عليه الصلاة والسلام - أيضا تحريما (عن أكل لحوم الحمر الأهلية) أي في الحال لتتناول الوحشية إذا دجنت وتأنست وصارت مروضة للعمل عليها كالإنسية فيحرم أكلها، والدليل على حرمة أكلها نهيه - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر.
6- قال في الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 117):
(قوله: ولو وحشيا دجن) أي فلا يؤكل نظرا لتلك الحالة العارضة، وهي حالة التأنس، وهذا قول مالك، وقال ابن القاسم بالجواز ورده المصنف بلو، وأما الحمار الإنسي إذا توحش فتوحشه لا ينقله وحينئذ فيجري فيه الخلاف قبل التوحش، وهو التحريم على المعتمد، والكراهة على مقابله.
7- قال في منح الجليل شرح مختصر خليل (2/ 461):
(و) الطعام والشراب (المحرم) ..... (وحمار) إنسي أصالة بل (ولو) كان (وحشيا دجن) بفتح الدال المهملة والجيم أي تأنس، فإن توحش صار مباحا نظرا لرجوعه لأصله والإنسي إذا توحش لا يباح اتفاقا نظرا لأصله، أي من القائلين بحرمته قبل توحشه إذ فيه قبل توحشه خلاف. ابن الحاجب في البغال والحمير التحريم والكراهة، وثالثها في الخيل الجواز، وفي الحمار الوحشي يدجن ويحمل عليه قولان لابن القاسم ومالك - رضي الله تعالى عنهما -.
التوضيح يرجح الأول بأنه لو كان تأنسه ناقلا للزم في الحمار الإنسي إذا توحش أن ينتقل إلى الإباحة، ولا خلاف أن ذلك لا ينقله، وفيه نظر لمراعاة الاحتياط والله أعلم.
8- التاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 356):
وقال الباجي: في كراهة أكل الحمر الأهلية وحرمتها روايتان.
فمذهب المالكية في حكم أهل لحوم الحمير على التفصيل التالي:
- تحريم أكل لحم الحمير الأهلية.
- كراهة أكل لحم الحمير الأهلية.
- جواز أكل لحم الحمير الوحشية.
- الحمار الوحشي وإن ترك البراري وصار يعيش عند الإنسان فينتقل لحمه إلى التحريم ولا يجوز أكله.
- الحمار الإنسي إن توحش وصار في البراري فلا ينتقل لحمه إلى الحلال ولا يجوز أكله.
ثالثا مذهب الشافعية:
- قال في الأم للشافعي (2/ 275):
(قال الشافعي) : في هذا الحديث دلالتان. إحداهما تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية والأخرى، إباحة لحوم حمر الوحش، لأنه لا صنف من الحمر إلا الأهلي والوحشي، فإذا قصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتحريم قصد الأهلي، ثم وصفه، دل على أنه أخرج الوحشي من التحريم وهذا مثل نهيه عن كل ذي ناب من السباع. فقصد بالنهي.
- قال في البيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 501):
ويحرم أكل لحوم الحمر الأهلية، وبه قال جماعة من العلماء.
- قال في المجموع شرح المهذب (9/ 6):
(فرع) لحم الحمر الأهلية حرام عندنا وبه قال جماهير العلماء من السلف والخلف قال الخطابي هو قول عامة العلماء قال وإنما رويت الرخصة فيه عن ابن عباس رواه عنه أبو داود في سننه قلت ورواه عن ابن عباس البخاري في صحيحه.
- قال في روضة الطالبين وعمدة المفتين (3/ 271):
ويحل الحمار الوحشي.
- أسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 564):
(والخنزير والميتة والدم) لقوله تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} [المائدة: 3] (والحمر الأهلية)، وإن توحشت للنهي عنها في خبر الصحيحين. (وتحل) الحمر (الوحشية) وإن استأنست للاتباع وللأمر به كما رواهما الشيخان وفارقت الأهلية بأنها لا ينتفع بها في الركوب والحمل فانصرف الانتفاع بها إلى لحمها خاصة بخلاف الأهلية.
- قال في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/ 148):
(وحماره) أي الوحش لأنهما من الطيبات، ولما في الصحيحين، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في الثاني «كلوا من لحمه وأكل منه» وقيس به الأول، ولا فرق في حمار الوحش بين أن يستأنس أو يبقى على توحشه كما أنه لا فرق في تحريم الأهلي بين الحالين.
- حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 258):
(وبقر وحش وحماره) أي وإن استأنسا كما يحرم الأهلي وإن استوحش.
- قال في حاشية الجمل على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (5/ 270):
(قوله وحماره) قال في شرح الروض وفارقت الحمر الوحشية الحمر الأهلية بأنها لا ينتفع بها في الركوب والحمل فانصرف الانتفاع بها إلى أكلها خاصة اهـ ولا فرق في الحمار الوحشي بين أن يستأنس أو يبقى على توحشه كما أنه لا فرق في تحريم الأهلي بين الحالين
فمذهب الشافعية في حكم أهل لحوم الحمير على التفصيل التالي:
- تحريم أكل لحم الحمير الأهلية.
- جواز أكل لحم الحمير الوحشية.
- الحمار الوحشي وإن ترك البراري وصار يعيش عند الإنسان فلا يتغير في حكم لحمه شيء بل يبقى جائزا.
- الحمار الإنسي إن توحش وصار في البراري فلا ينتقل لحمه إلى الحلال ولا يجوز أكله.
رابعا مذهب الحنابلة:
- قال في المغني لابن قدامة (9/ 407):
قال: (وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحمر الأهلية)......
ولنا، ما روى جابر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل. متفق عليه.
- قال في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (10/ 355):
قوله (والحيوانات مباحة، إلا الحمر الأهلية، وما له ناب يفترس به) . سوى الضبع محرم على الصحيح من المذهب. سواء بدأ بالعدوان أو لا، نص عليه. وعليه جمهور الأصحاب، وقطع به أكثرهم، وقدمه في الفروع. وقيل: لا يحرم إلا إذا بدأ بالعدوان.
- المغني لابن قدامة (9/ 411):
ما عدا ما ذكرناه، فهو مباح؛ لعموم النصوص الدالة على الإباحة، من ذلك بهيمة الأنعام، وهي الإبل، والبقر، والغنم. قال الله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} [المائدة: 1] .
ومن الصيود الظباء، وحمر الوحش. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا قتادة وأصحابه بأكل الحمار الذي صاده.
- شرح الزركشي على مختصر الخرقي (6/ 672):
والمحرم من الحيوان بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشياء منها الحمر الأهلية.
- قال في كشاف القناع عن متن الإقناع (6/ 189):
(والحمر الأهلية ولو توحشت) قال ابن عبد البر لا خلاف في تحريمها وسنده حديث جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل» متفق عليه وحكم لبنها حكمها ورخص فيه عطاء وطاوس والزهري.
فمذهب الحنابلة في حكم أهل لحوم الحمير على التفصيل التالي:
- تحريم أكل لحم الحمير الأهلية.
- جواز أكل لحم الحمير الوحشية.
- الحمار الوحشي وإن ترك البراري وصار يعيش عند الإنسان فلا يتغير في حكم لحمه شيء بل يبقى جائزا.
- الحمار الإنسي إن توحش وصار في البراري فلا ينتقل لحمه إلى الحلال ولا يجوز أكله.
- تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
- كراهية أكل لحم الحمير الأهلية وهو رواية عند المالكية.
- جواز أكل لحوم الحمر الوحشية وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
- لا يجوز أكل لحوم الحمر الأهلية وإن عاشت في البراري وتوحشت وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
- يجوز أكل لحوم الحمر الأهلية وإن عاشت في البراري وتوحشت وهو رواية عند المالكية.
- لا يجوز أكل لحوم الحمر الوحشية إن عاشت مع الانسان وتركت البراري وهو مذهب المالكية.
- يجوز أكل لحوم الحمر الوحشية إن عاشت مع الانسان وتركت البراري وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.
- الحمار الذي من أم وأب أحدهما وحشي والآخر إنسي فالحكم يرجع لحكم الأم وهو مذهب الحنفية.
القول الأول :
أدلة القول بتحريم لحوم الحمر الأهلية:
- قول الله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} [النحل: 5] .
- قال تعالى {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [النحل: 8] .
وجه الدلالة:
- قال في المحلى بالآثار (6/ 78):
قالوا: فذكر في الأنعام الأكل، ولم يذكره في الخيل، والبغال، والحمير.
- قال في البناية شرح الهداية (11/ 589):
خرجت مخرج الامتنان، وقد من الله سبحانه وتعالى بمنفعة الركوب والزينة، ولو كان الأكل من هذه الأشياء حلالا لمن بذلك أيضا؛ لأن منفعة الأكل أكثر من منفعة الركوب والزينة لأن الإنسان يحيى بلا ركوب وزينة، ولا يحيى بلا أكل. ألا ترى أنه سبحانه وتعالى بدأ بذكر الأنعام قبل ذكر الزينة وحمل الأثقال.
مناقشة الدليل:
قال في السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (2/ 218):
وأجابوا عن هذه الآية بأن ذكر الركوب والزينة لا يدل على أنّ منفعتها مختصة بذلك وإنما خص هاتين المنفعتين بالذكر لأنهما معظم المقصود ولهذا سكت عن حمل الأثقال على الخيل مع قوله تعالى في الأنعام: {وتحمل أثقالكم} (النحل، 70).
ولم يلزم من ذلك تحريم الأثقال على الخيل. وقال الواحدي: لو دلت هذه الآية على تحريم أكل هذا الحيوان لكان تحريم أكلها معلوماً في مكة لأجل أنّ هذه السورة مكية ولو كان الأمر كذلك لكان قول عامّة المفسرين والمحدّثين أنّ لحوم الحمر الأهلية حرمت عام خيبر، أي: وذلك في المدينة باطلاً لأنّ التحريم لما كان حاصلاً قبل هذا اليوم لم يكن لتخصيص هذا التحريم بهذه السنة فائدة، قال الرازي: وهذا جواب حسن متين. وقال ابن الخازن: والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أنّ السنة مبينة للكتاب.
ذكر في الآية الأولى بعض فوائد الأنعام وهو الأنعام وهناك فوائد أخرى لم يذكرها، وأما الآية الثانية فتتحدث عن بعض فوائد الخيل والغال والحمير ولم يذكر الأكل وغيره من فوائد، وليس معنى هذا عدم جواز الأكل منها.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء، فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثانية، فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثالثة فقال: أفنيت الحمر، فأمر مناديا فنادى في الناس: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية». فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم. صحيح البخاري (5/ 131)
وجه الدلالة:
النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية بل وافراغ القدور مما كان فيها لأنها رجس.
مناقشة الدليل:
- قال في المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح (3/ 239):
زاد ابن أبي أوفى: وبعضها نضجت، وقال: فحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس، وقال بعضهم: نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة.
- قال في فتح الباري لابن حجر (9/ 655):
وقع في الشرح الكبير للرافعي أن المنادي بذلك خالد بن الوليد وهو غلط فإنه لم يشهد خيبر وإنما أسلم بعد فتحها قوله جاءه جاء فقال أكلت الحمر لم أعرف اسم هذا الرجل ولا الذين بعده ويحتمل أن يكونوا واحدا فإنه قال أولا أكلت فإما لم يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وإما لم يكن أمر فيها بشيء وكذا في الثانية فلما قال الثالثة أفنيت الحمر أي لكثرة ما ذبح منها لتطبخ صادف نزول الأمر بتحريمها ولعل هذا مستند من قال إنما نهى عنها لكونها كانت حمولة الناس.
- قال في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 244):
ويستفاد من هذا الحديث: حرمة أكل لحم الحمر الأهلية. واختلفت الأحاديث في سبب النهي على خمسة أوجه:
الأول: ما ذكره مسلم في حديث أنس: (فإنها رجس أو نجس) .
والثاني: كونها حمولة للناس على ما ذكر في حديث ابن مسعود: (نهى عنها لأنها كانت حمولة)، وهو وإن كان ضعيفا فهو مذكور في حديث ابن عباس المتفق عليه، لا أدري أنهى عنه من أجل أنها كانت حمولة للناس، فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمه، وفي بعض طرقه في (المعجم الكبير) للطبراني: (حرمتها مخافة قلة الظهر) ، وفي حديث ابن عمر عند مسلم: (وكان الناس احتاجوا إليها) .
والثالث: كونها لم تخمس، ففي حديث ابن أبي أوفى المتفق عليه، فقال فيه: (ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا) . قال: فقال ناس: إنما نهى عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس، وقال آخرون: (نهى عنها ألبتة) .
الرابع: كونها جلالة فروى ابن ماجه في حديث ابن أبي أوفى: (إنما حرمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم ألبتة من أجل أنها كانت جلالة تأكل العذرة) . وروى أبو داود في حديث غالب بن أبحر: (فإنما حرمتها من جوال القرية) .
والخامس: كونها انتهبت. ولم تقسم، فروى الطبراني بإسناد جيد من حديث ثعلبة بن الحكم، قال: فسمعته ينهى عن النهبة، فأمر بالقدود فاكقئت من لحوم الحمر الأهلية والتعليل بالنجاسة قاض على هذه العلل كلها فهيء مؤثرة بنفسها وذهب قوم، منهم عاصم بن عمر بن قتادة وعبيد بن الحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى إلى إباحة أكل لحوم الحمر الأهلية. واحتجوا فيه بحديث أبحر أو ابن أبحر، أنه قال: يا رسول الله! إنه لم يبق من مالي شيء أستطيع أن أطعمه أهلي إلا حمر لي، قال: (فأطعم أهلك من سمين مالك، فإنما كرهت لكم جوال القرية) . رواه الطحاوي وأبو يعلى والطبراني، وقال جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم، منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم: يحرم أكل لحوم الحمر الأهلية، واحتجوا في ذلك بحديث الباب، وما جاء به نحوه، وبه قالت الظاهرية، وحديث أبحر مختلف في إسناده اختلافا شديدا.
وقال البيهقي: هو معلول، وقال ابن حزم: هو بطرقه باطل لأنها كلها من طريق عبد الرحمن بن بشر، وهو مجهول، وعن عبد الله بن عمرو بن لؤيم، وهو مجهول ومن طريق شريك، وهو ضعيف.
تابعه علي عن سفيان رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه
يعني تابع عبد الله بن محمد المسندي علي بن عبد الله المعروف بابن المديني شيخ البخاري، وقد أسنده في علامات النبوة عنه عن سفيان، والله أعلم.
- عن جابر بن عبد الله، يقول: «أكلنا زمن خيبر الخيل، وحمر الوحش، ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي». صحيح مسلم (3/ 1541).
وجه الدلالة:
قال في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (10/ 127)
النهي عن أكل لحوم الحمر لم يكن لحاجة وضرورة إلى الظهر والحمل وإنما كان عبادة وشريعة.
مناقشة الدليل:
قيل لأنها لم تخمس فنهى عن ذلك.
- عن خالد بن الوليد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحوم الخيل، والبغال، والحمير، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير».
- عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه، عن جده، عن خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الخيل والبغال والحمير» هذا لفظ ابن ماجه.
ولفظ أبي داود قال: «غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، وحرام عليكم الحمر الأهلية، وخيلها، وبغالها، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير»
وجه الدلالة:
تحريم لحوم الحمر الأهلية.
مناقشة الدليل:
- قال في البدر المنير (9/ 362):
والدارقطني والبيهقي من معارضة ما نحن فيه عن خالد بن الوليد «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع» وفي بعض رواياتهم أن ذلك يوم خيبر فضعيف بمرة. وقال الإمام أحمد: هذا حديث منكر. قلت: فلم أخرجته في مسندك؟ وقال أبو داود: إنه منسوخ.
- قال في قال في شرح السنة للبغوي (11/ 255):
عن خالد بن الوليد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن أكل لحوم الخيل، والبغال، والحمير»، وإسناده ضعيف.
أدلة القائلين بالجواز:
القول الثاني:
أدلة القول بجواز أكل لحوم الحمر الأهلية:
- أن ابن عباس وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم احتجت بقوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما} [الأنعام: 145] الآية
وجه الدلالة:
- قال في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/ 372):
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ليس من الدواب شيء حرام إلا ما حرم الله في كتابه {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية.
لا يدخل الحمار الأهلي في المحرمات في الآية، فيدل على جوازه.
- قال في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 520):
وقال ابن خويز منداد من المالكية: تضمنت هذه الآية تحليل كل شيء من الحيوان وغيره، إلا ما استثني في الآية من الميتة، والدم، ولحم الخنزير.
مناقشة الدليل:
قال ابن حزم في المحلى (6/ 78):
أن عائشة أم المؤمنين احتجت بقوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما} [الأنعام: 145] الآية؟ قلنا: لم يبلغها التحريم ولو بلغها لقالت به، كما فعلت في الغراب، وليس مذكورا في هذه الآية.
- جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غالب بن أبحر فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابتنا سنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية» أخرجه أبو داود.
وجه الدلالة:
في الحديث توجيه النبي صلى الله عليه وسلم بأكل لحوم الحمر الأهلية.
مناقشة الدليل:
- قال في شرح النووي على مسلم (13/ 92):
فهذا الحديث مضطرب مختلف الإسناد شديد الاختلاف ولو صح حمل على الأكل منها في حال الاضطرار والله أعلم
- قال في سبل السلام (1/ 49):
حديث " أبي داود " مضطرب مختلف فيه اختلافا كثيرا، وإن صح حمله على الأكل منها عند الضرورة، كما دل عليه قوله: [أصابتنا سنة] أي شدة وحاجة
- قال ابن حزم في المحلى (6/ 78):
فهذا كله باطل، لأنها من طريق عبد الرحمن بن بشر وهو مجهول، والآخر من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن لويم - وهو مجهول - أو من طريق شريك - وهو ضعيف.
ثم عن أبي الحسن - ولا يدرى من هو - عن غالب بن ديج ولا يدرى من هو -ومن طريق سلمى بنت النضر الخضرية ولا يدرى من هي.
- قال في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 37):
وأما الحديث فيحتمل أن يكون المراد من قوله - عليه الصلاة والسلام - «كل من سمين مالك» أي: من أثمانها كما يقال فلان أكل عقاره أي: ثمن عقاره ويحتمل أن يكون ذلك إطلاقا للانتفاع بظهورها بالإكراء كما يحمل على شيء مما ذكرنا عملا بالدلائل كلها ويحتمل أنه كان قبل التحريم فانفسخ بما ذكرنا وإن جهل التاريخ فالعمل بالخاطر أولى احتياطا.
ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين ، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك .
والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم