البيان في حكم الختان

 

  • مقدمة:

      الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم    أما بعد:

النظافة من الأمور التي يحث الدين الإسلامي عليها بل ويأمر بها ، وتجد ذلك مثلاً في الأمر بحلق الشعر الذي يسبب الروائح الكريهة وكذلك الوضوء لكل صلاة والاغتسال في الجُمع وعند رائحة العرق وتقليم الأظفار إلى غير ذلك ، ومنها الأمر بالختان للرجل والمرأة ، وذلك لاحتمال احتقان النجاسة عندهما إن لم يختتنا ، وفي هذه المسألة نعرض أقوال المذاهب الأربعة مع الأدلة ورأي الباحث.

  

  • تعاريف مهمة :

      قال ابن منظور في لسان العرب (13/ 137) : ( الختان والختانة وهو مختون وقيل الختن للرجال والخفض للنساء ؛ والختين المختون الذكر والأنثى في ذلك سواء..... والختان موضع الختن من الذكر وموضع القطع من نواة الجارية ، قال أبو منصور هو موضع القطع من الذكر والأنثى .... ويقال لقطعهما الإعذار والخفض ) باختصار.

      اصطلاحاً : قال في طرح التثريب (2/70) :

الختان هو قطع الغلفة التي تغطي الحشفة من الرجل ؛ وقطع بعض الجلدة التي في أعلى فرج المرأة ، ويسمى ختان الرجل إعذاراً بالعين المهملة والغين المعجمة والراء ، وختان المرأة خفاضاً بالخاء المعجمة والفاء والضاد المعجمة .

 

 

  • أقوال المذاهب الفقهية الأربعة :

 

     أولا مذهب الحنفية :

      قال محمد بن أبي بكر الرازي في تحفة الملوك (1/24)  : ( والختان للرجال سنة وللنساء مكرمة) .

      فمذهب الحنفية في حكم ختان الرجل هو السنية وختان المرأة الاستحباب.

 

     ثانيا مذهب المالكية :

  • قال ابن الحاجب في جامع الأمهات (1/565): ( والختان وهو سنة في الرجال ومكرمة في النساء).

     

  • قال أبو الحسن المالكي كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني (2/580): ( الختان للرجال ) وهو زوال الغُرلة من الذكر( سنة ) زاد في الضحايا واجبة أي مؤكدة ، صرح بحكمه دون غيره ليفرق بينه وبين قوله ( والخفاض في النساء ) وهو قطع الناتئ في أعلى فرج الأنثى كأنه عرف الديك ( مكرمة ) بفتح الميم وضم الراء ، أي كرامة بمعنى مستحب لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك ).

 

      فمذهب المالكية في حكم ختان الرجل هو السنية المؤكدة ، وأما النساء فهو الاستحباب.

 

     ثالثا  مذهب الشافعية :

      قال النووي في المجموع (1 /366): ( والمذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء ).

      فمذهب الشافعية في حكم الختان هو الوجوب على الرجال والنساء.

 

      رابعا مذهب الحنابلة :

      قال المرداوي في الإنصاف (1 /123) : ( ويجب الختان هذا المذهب مطلقاً وعليه جماهير الأصحاب .... وعنه يجب على الرجال دون النساء ..... وعنه لا يجب مطلقاً .. ).

      فمذهب الحنابلة فحكم الختان بالنسبة للرجال وللنساء هو الوجوب على معتمد المذهب، ورواية صحيحة عند الإمام أحمد بوجوبه على الرجال واستحبابه للنساء ورواية صحيحة أخرى على السنية للرجال والنساء.

 

 

  • أقوال المسألة :

القول الأول :

      السنية للرجال ، وأما للنساء فالاستحباب وهو قول الحنفية والمالكية ورواية صحيحة عند الحنابلة.

القول الثاني :

      الوجوب على الرجال والنساء وهو مذهب الشافعية ومعتمد الحنابلة.

 

القول الثالث :

      الوجوب على الرجال والاستحباب للنساء وهي رواية صحيحة عند الحنابلة.

    

  • أدلة الأقوال :

أدلة القول الأول :

      1- عن الحجاج عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الختان سنة للرجال مكرمة للنساء )) أخرجه أحمد في مسنده ، رقم الحديث (20738) 5/75 , وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى ، رقم الحديث (17345) 8/325   . وقد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس وسعيد بن بشير مختلف فيه عون المعبود (14/104) .

    

 وجه الدلالة :

      يدل الحديث على أن حكم الاختتان للرجل هو السنية وأما للمرأة فهو مكرمة لها أي مستحب لها.

     

مناقشة الدليل :

      قال البيهقي: ( الحجاج ليس ممن يحتج به ) السنن الكبرى للبيهقي (8/325). وقال ابن حجر في تلخيص الحبير ( الحجاج مدلس ، وقد اضطرب فيه ؛ فتارة رواه كذا ؛ وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل والطبراني في الكبير، وتارة رواه عن مكحول عن أبي أيوب وأخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل ، وحكى عن أبيه أنه خطأ من حجاج أو من الراوي عنه ، عبد الواحد بن زياد ) تلخيص الحبير , حديث رقم (2487) 6/2836 .

 

  • عن الضحاك بن قيس كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجواري ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج ) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ، رقم الحديث (17339) 8/324.

     

وجه الدلالة :

      يدل الحديث على أن ختان المرأة للمرأة سنة ، وذلك لما يترتب عليه من فوائد عامة.

     

مناقشة الدليل :

      قد أعل أبو داود في سنن أبي داود ص (1608) ، برقم (5271) حديث أم عطية بمحمد بن حسان فقال : إنه مجهول ضعيف  .

 

      3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الفطرة خمس : الاختتان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب )) متفق عليه ، أخرجه البخاري في صحيحه ، رقم الحديث (5890 – 5891). ومسلم في صحيحه ، رقم الحديث ( 597 – 598).

     

وجه الدلالة :

      إن جميع ما ذكر في الحديث أمور غير واجبة بل سنة واقتران الاختتان معها يدل على سنتيه.

     

مناقشة الدليل :

      يناقش الدليل في أن هذه الدلالة ضعيفة في الاحتجاج بها مع ما يقابلها من أدلة الوجوب.

 

أدلة القول الثاني :

      1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم ) متفق عليه . أخرجه البخاري في صحيحه ، رقم الحديث (5890) , ومسلم في صحيحه ، رقم الحديث (6141).

      وقوله تعالى في سورة النحل ، آية (123): ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  .

    

 وجه الدلالة :

      إن الآية تأمر بإتباع إبراهيم عليه السلام والحديث يدل على أنه اختتن بعد بلوغه هذا السن فدل على وجوب الختان ، لأنه إن لم يكن واجباً لما اختتن في هذا السن .

     

مناقشة الدليل :

      يناقش الحديث بأن من الممكن أن يكون فعل إبراهيم عليه السلام من باب الندب لا الوجوب ، إذ لا دليل على الوجوب .

 

      2- عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أسلمت ، فقال : ألقِ عنك شعر الكفر ، يقول احلق . قال وأخبرني آخر معه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر (( ألقِ عنك شعر الكفر واختتن )) أخرجه أحمد في مسنده ، في مسند الكبير ، رقم الحديث (15470) 3/415 ، وأبو داود في سننه ، رقم الحديث (356) 1/151 , ط : دار الفكر , والبيهقي في سننه , رقم الحديث (781) 1/172  .

     

 وجه الدلالة:

      قال في عون المعبود حديث رقم (356): ( فيه دليل على أن الاختتان على من أسلم واجب وأنه علامة الإسلام ).

     

مناقشة الدليل :

      قال في عون المعبود 2/15 برقم (352): ( الحديث ضعيف ، قال المنذري  : قال عبد الرحمن بن أبي حاتم كليب والد عثيم بصري روى عن أبيه مرسل هذا آخر كلامه ، وفيه أيضاً رواية مجهولة ).

 

      أدلة القول الثالث :

      1- عن الحجاج بن أرطأة عن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الختان سنة للرجال مكرمة للنساء )).

     

وجه الدلالة :

      إن هذا الحديث عام في أن حكم ختان الرجل هو السنية ؛ ولكن يخصصه حديث عثيم بن كليب وهو بوجوب الختان فيكون من السنة الواجبة ، أما بالنسبة للمرأة فحكمه الاستحباب والسنية لعدم وجود دليل يخصص هذا الدليل.

    

 مناقشة الدليل :

      تمت مناقشته في الدليل الأول من القول الأول.

      2- عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال قد أسلمت ، فقال : (( ألقِ عنك شعر الكفر )) يقول احلق. قال وأخبرني آخر معه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر : (( ألقِ عنك شعر الكفر واختتن )).

      

وجه الدلالة :

      وجوب الختان لمن أسلم ، إذ الأمر يقتضي الوجوب ولا صارف عنه ، وقد سبق القول في عون المعبود في وجه دلالة الدليل الثاني من أدلة القول الثاني من هذا المبحث.

     

مناقشة الدليل :

      تم مناقشته في أدلة القول الثاني من الدليل الثاني في هذا المبحث.

 

  • الترجيح:

ذكرت في هذا المبحث أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم ووجه الدلالة ومناقشة الأدلة بقدر ما تيسر ، فكل من ينتمي إلى أقليم معين فيأخذ المذهب المتبع في اقليمه وخاصة أن هذا البحث ليس خاصا بأقليم معين ، وأما من يعمل بعمل المحدثين وله الحق في النظر والترجيح بين الأدلة فله ذلك .

 

 

 

والله أعلم

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا